يُعد التعليم أحد أدوات بناء الإنسان؛ فعبر بوابته يستقى خبراته، وفي درجات سلمه، تنمى المفاهيم الرئيسة لديه، وتنقح الممارسات؛ لتنسجم مع منظومة القيم النبيلة، التي يتم غرس اتصافاتها في وجدانياته، وعبر مناهجه، يتجرع كؤوس المعارف، ويكتسب ما تتضمنه من مهارات نوعية، وتكاملهما يؤدي حتمًا إلى صقل صور الوعي، وأنماطه، وأبعاده المختلفة لديه؛ فيتنامى النضج في حدوده، التي تشكل هويته الوطنية؛ ومن ثم يصبح لدينا مواطن صالح، قادر على تحمل مسئولية البناء، مدركًا ماهية الوطن، وغاياته الكبرى. في مؤسساتنا التربوية، نستهدف عن قصد تنمية أنماط الوعي لكل من ينتسب، أو يلتحق للصروح التعليمية؛ فتلك غاية عظيمة، تسهم في تنمية الإدراك عبر معرفة صحيحة، وشواهد، ودلائل، تؤكد على الممارسات القويمة، التي تحث الإنسان منا على أن يراعى مصالح المجتمع من حوله، وأن يصبح أداة في منظومته الصغيرة، والكبيرة على السواء، وأن يتحلى بخصائص تجعله يحوز الرضا، والصبر الجميل، والمثابرة من أجل تحقيق أهداف محددة، كما لا يتخلى عن أدواته في البحث عن المعرفة، وانتقاء الزبد منها، من خلال امتلاكه لمهارات الاستنتاج، والتحليل، والنقد. المجتمعات الأصيلة دومًا تحافظ على إطارها المرجعي، الذي يتمثل في الهُوِيَّة التي تعبر عن الذات، والكيان، والكينونة، وهنا لا يفقد الإنسان انتمائه، ولا يتخلى عن ثوابته، التي نتوافق عليها من لغة، ومعتقد، وقيم موجّهة للسلوك في صورته الإيجابية، وتلك ضمانة تؤكد على مقدرتنا في الحفاظ على ثراء التراث الثقافي، والاعتزاز، والتفاخر بالحضارة، وفي سياج أسوار مؤسساتنا التعليمية نستطيع أن نرسم طموحات المستقبل، ونلتف حول مائدة مستديرة؛ لنكتشف معالم، وتفاصل الكون؛ فنحدث الإبداع، ونأتي بثمار الابتكار، ونعضّد ما يقرّه المجتمع، وما يؤمن به من معتقد وسطيّ. مرونة التفكير، والتفكر، والمقدرة على النقد، والتحليل، والشعور بالولاء، والانتماء، وتحمّل المسئولية في إطارها الفردي، والجماعي، والمقدرة على التواصل الفعال مع الآخرين، وغدراك ماهية، وأهمية التراث الثقافي، وتعظيم العاطفة، التي تصبُّ في إيجابية الإنسان منا، والحصانة من الانزلاق في بوتقة الزيف، والتزييف، وتجنب الاستلاب لتأثيرات خارجية تخرجنا عن حيّز الفضيلة، والثقة بالنفس، والنظرة المتفائلة تجاه المستقبل رغم التحديات الجمّة، كل هذا يؤكد ضرورة التكامل بين الوعي، والهُوِيَّة. أولوية دمج الوعي، والهوية في المناهج التعليمية، تمكننا من بناء شخصية مصرية متوازنة، تدرك كنوز تراثها، وتربط بين الماضي، والحاضر؛ كي تتمكن من صناعة مستقبل مشرق، مفعم بنهضة مستدامة، وتنمية مستمرة في مجالات الحياة كافة، وهذا ما يعزز ماهيّة الانتماء لوطن زاخر برموز، لها سير نفخر بها، استطاعت أن تحقق إنجازات توصف بالعظيمة القدر، والمقدار؛ كونها تربّت على ثوابت قد مكنتها من المحافظة على خصوصيتها الوطنية، وساعدت من الاستفادة بثمار الثقافات الأخرى، دون أن تتأثر بها، وتلك هي ثمرة التربية على القيم. دمج الوعي، والهوية في المناهج التعليمية أولوية، تمكننا من تدريب الأبناء على فلسفة التنمية المستدامة، التي تحثنا على أن نصوغ مهام أنشطة تعليمية، تسهم في ابتكار طلابنا في تدشين مشروعات للطاقة النظيفة، وأفكار رائدة تساعد في تدوير المخلفات؛ لتصبح البيئة آمنة في مكوّنها، وأطروحات تزيد من المسطحات الخضراء، التي تتعدد أطر الإفادة منها؛ فتصبح منفذا للتغذية، وبيئة مناخ نقي، ناهيك عن طرائق تحقق ماهية ترشيد المياه، التي تمثل شريان الحياة؛ بالإضافة إلى القضايا التي تشغل العالم بأسره، مثل: قضية التغير المناخي، ومكافحة التلوث، والتصحّر، وتوظيف التقنية في مظاهر الحياة، وواحات الإنتاج. تكامل الوعي، والهُوِيَّة أولوية في مناهجنا التعليمية؛ ليشعر الجيل تلو الآخر أهمية العدل، والمساواة، والحرية في إطارها المسئول؛ فيدرك بصورة صائبة ماهية الحقوق، والواجبات؛ ومن ثم يعي فلسفة بناء الأوطان، واستراتيجيات نهضتها، التي تقوم على الإعمار المشفوع بفقه عميق لأبعاد الأمن القومي، وهذا ما يضمن بقاء الدولة، التي يعيش فيها شعب متماسك، متحابٌّ، متكافل، متضافر، مصطفٌّ خلف قيادته، ووطنه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر