شرفتُ بدعوةٍ كريمةٍ من وزارة الدفاع – إدارة الشؤون المعنوية لحضور الندوة التثقيفية الثانية والأربعين للقوات المسلحة، والتي جاءت هذا العام تحت شعارٍ خالدٍ يستحضر عبق النصر وروح البطولة: «إرادة جيل.. صنعت مجد». ولم يكن هذا الشعار مجرد عبارةٍ تُزين القاعة، بل رسالةٌ حيّة تُعيد للأذهان أن المجد لا يُمنح صدفةً، بل يُصنع بالإيمان والإرادة والدم. فجيل أكتوبر لم يكتب النصر بالحظ، بل بالوعي والإخلاص والإيمان الراسخ بأن الله لا يخذل من يدافع عن أرضه وكرامته. في هذا الإطار، قدّم فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي حديثًا من القلب، لم يكن موجَّهًا إلى الحضور فحسب، بل إلى كل مصري في الداخل والخارج. تحدّث الرئيس بعفوية القائد المؤمن الذي يرى في كل أزمةٍ منحةً إلهية، وفي كل محنةٍ طريقًا جديدًا للعبور. قالها بإيمانٍ راسخ: «يد الله حفظت مصر» — عبارة تلخّص فلسفة قيادةٍ تدرك أن النصر لا يُقاس فقط بعدد الدبابات، بل بسلامة الضمائر، وثبات القلوب، وصِدق التوجّه نحو الله. وفي حديثه، أكّد الرئيس على أن الإعلام أصبح سلاح الوعي الحديث، وأن الكلمة قادرة أن تبني كما يمكن أن تهدم. كانت تلك رسالةً مباشرة لكل إعلامي، بأن مسؤوليته لا تقل عن مسؤولية الجندي في ميدان القتال، فكلاهما يدافع عن الوطن؛ أحدهما بالرصاصة، والآخر بالكلمة الصادقة. لقد كانت تلك الدعوة بمثابة تأكيدٍ على أن معركة الوعي هي معركة العصر، وأن بناء الإدراك الجمعي هو خط الدفاع الأول عن الدولة المصرية. من موقع المتابع والمشارك، يمكن القول إن هذه الندوة لم تكن احتفالًا تذكاريًا بقدر ما كانت منصة وعيٍ وطمأنينةٍ وطنية. فالرئيس، حين تحدث عن الإعلام والإيمان، لم يكن يستعيد الماضي فقط، بل كان يرسم معالم المستقبل: مستقبلٌ تُبنى فيه القوة الناعمة على أساسٍ من الصدق والمعلومة، لا على الانفعال أو التهويل. الندوة كانت نموذجًا متكاملًا لإدارة الدولة لملف الوعي الوطني — تنظيمًا ورسائل ومضمونًا. فقد امتزج فيها التوثيق التاريخي بالرسالة التربوية، والمشهد العسكري بالبعد الإنساني، ليخرج المحتوى في أبهى صوره، يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس الفخر والثقة والانتماء. لقد شعر الحاضرون أن الاحتفالية لا تروي قصة نصرٍ قديم، بل تؤكد أن روح أكتوبر ما زالت تسكن مؤسسات الدولة المصرية. إنها الروح التي تُحوّل الأزمات إلى فرص، والتحديات إلى إنجازات، في ضوء قيادةٍ تُحسن قراءة الواقع وتُخاطب الناس من القلب لا من المنصّة. لقد كانت الندوة التثقيفية ال42 تجسيدًا عمليًا لشعارها «إرادة جيل.. صنعت مجد»؛ جيلٌ بالأمس صنع النصر بالسلاح، وجيلٌ اليوم يصنع البقاء بالوعي. ومع كل كلمةٍ صادقةٍ نطق بها الرئيس، أدركت أن الإيمان بالله هو سرّ عبور مصر الدائم، وأن ما تملكه من جيشٍ عظيم وشعبٍ واعٍ وقيادةٍ مؤمنة، كفيل بأن يجعلها دائمًا على موعدٍ مع المجد. إنها ليست مجرد ندوة.. بل صفحة جديدة من كتاب الوعي الوطني، تُكتب بقلمٍ من نور، وتُقرأ بعيونٍ تؤمن أن مصر، طالما آمنت بالله، ستظل أبدًا تصنع المجد بإرادتها.