- إسرائيل خرجت من الحرب مثقلة بكلفة بشرية واقتصادية وصورة دولية متراجعة ولم تحقق حسم الأهداف التى رفعتها منذ أن اشتعلت الحرب فى غزة والعالم يتقلب بين مبادرات وضغوط دولية، ظل موقف واحد ثابتا لا يتغير، هو موقف مصر التى تحملت العبء الإنسانى والسياسى واحتفظت بدورها المركزى فى ضبط الإيقاع الإقليمى، اليوم، ومع قبول حركة حماس ببنود خطة ترامب الجديدة، تبدو القاهرة وكأنها خرجت من أصعب اختبار فى تاريخها الحديث منتصرة مرتين، مرة بقدرتها على منع الانفجار الإقليمى، ومرة بتمكينها لمسار سياسى جديد ينهى دوامة الدم. الرئيس السيسى
مصر الفائز الحقيقى لأنها نجحت فى تحويل لحظة الانسداد إلى أفق حل ومنعت انزلاق المنطقة إلى فوضى أوسع الخطة التى أعلنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أواخر سبتمبر 2025 تمثل أول تصور عملى لإنهاء الحرب بعد شهور طويلة من الجمود، تتضمن وقفا فوريا للقتال مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين خلال اثنتين وسبعين ساعة، وانسحابا تدريجيا للقوات الإسرائيلية مع بقاء إشراف أمنى محدود على المعابر، وتشكيل إدارة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط، تحت إشراف دولى، تتولى إعادة الإعمار وتسيير الحياة المدنية، إضافة إلى نزع السلاح الكامل من حركة حماس، مقابل ضمانات بعدم تهجير السكان أو المساس بحقوقهم السياسية، مع خطة تمويل دولية ضخمة لإعمار القطاع. ترامب حماس وجدت نفسها فى نهاية المطاف أمام معادلة تفاوضية تعيد تعريف دورها ومستقبلها فى غزة قبول حماس ببعض عناصر الخطة، خاصة ما يتعلق بوقف النار وإطلاق الرهائن، كان خطوة غير مسبوقة منذ تأسيس الحركة، لأنها المرة الأولى التى تتعاطى فيها مع مبادرة أمريكية بهذا الشكل العلنى، ومع ذلك فإن الحركة لم تتخل تماما عن تحفظاتها، إذ ما زال النقاش قائما حول مستقبلها السياسى ودورها فى غزة، ما يجعل موقفها مشروطا ومفتوحا على مفاوضات لاحقة.
مظاهرات ضد نتنياهو فى إسرائيل بدا الموقف مترددا ومشحونا بالتناقضات، فنتنياهو، رغم الضغوط الأمريكية، يعلن أن أى انسحاب من غزة سيكون تدريجيا وأن الرقابة الأمنية ستظل بيد الجيش الإسرائيلى، لكنه فى الوقت نفسه يعلم أن استمرار الحرب لم يعد ممكنا فى ظل الانقسام الداخلى والانهاك الاقتصادى وتراجع صورة إسرائيل فى العالم، لقد خسرت تل أبيب معركتها السياسية رغم تفوقها العسكرى، فلم تحقق أهدافها المعلنة بإسقاط حماس، ولم تستطع أن تقنع العالم بالنصر، القوة المفرطة التى استخدمتها تحولت إلى عبء أخلاقى وسياسى وإعلامى، وانتهت فى النهاية إلى مسار تفاوضى يقر بأن الأمن الحقيقى لا يصنع بالقصف المفتوح، بل بالحلول السياسية. الرئيس السيسى خلال قمة القاهرة لدعم غزة فى المقابل، ووسط هذا المشهد المرهق، حافظت القاهرة على موقعها المتزن والفاعل، كانت مصر المنفذ الإنسانى الأوسع لغزة طوال الحرب، فتحت معبر رفح لاستقبال الجرحى ونقل المساعدات، وتولت التفاوض الصعب بين جميع الأطراف، لم تكتف بالاستجابة الإنسانية، بل عملت بهدوء وحكمة على تثبيت وقف إطلاق النار وفتح مسار سياسى حقيقى يعيد للمنطقة توازنها المفقود، ما جرى خلال الشهور الماضية كان نتاجا مباشرا لتحرك مصرى متواصل أعاد للوساطة العربية وزنها وشرعيتها بعد محاولات قوى أخرى دفع الملف نحو حسابات ضيقة. المساعدات المصرية لغزة تحملت مصر عبء إدارة الأزمة من دون مزايدات، رفضت أى حديث عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتعاملت بحزم يحفظ السيادة والمبادئ، ومع تطور الخطة الأمريكية برزت القاهرة باعتبارها الطرف الوحيد القادر على التواصل مع واشنطن وتل أبيب وحماس فى آن واحد، هذه الثقة لم تأت مصادفة، بل هى ثمرة دور متراكم يجمع الواقعية السياسية والالتزام الأخلاقى تجاه القضية الفلسطينية. العلاقة بين القاهرةوواشنطن دخلت مرحلة جديدة من التوازن الذكى.. ومصر أدركت مبكرا أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستعيد رسم خرائط النفوذ العلاقة بين القاهرةوواشنطن دخلت مرحلة جديدة من التوازن الذكى، مصر أدركت مبكرا أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستعيد رسم خرائط النفوذ، فتقدمت لتبقى فى قلب المشهد لا على هامشه، وأثبتت أنها لا تدور فى فلك أحد، بل تدير مصالحها الوطنية من موقع قوة واحترام متبادل، فى المقابل اكتشفت الإدارة الأمريكية أن لا طريق إلى غزة من دون مصر، ولا سلام قابلا للحياة من دون موافقتها، فصار التعاون معها ضرورة سياسية. آثار الحرب على غزة تبع ذلك واقع واضح، خلاصته أن لا إسرائيل ربحت، ولا حماس انتصرت، إسرائيل خرجت من الحرب مثقلة بكلفة بشرية واقتصادية وصورة دولية متراجعة، ولم تحقق حسم الأهداف التى رفعتها، وحماس وجدت نفسها فى نهاية المطاف أمام معادلة تفاوضية تعيد تعريف دورها ومستقبلها فى غزة، الطريق الذى فرضته الوقائع هو طريق السياسة، عند هذه النقطة تبدو مصر الفائز الحقيقى، لأنها نجحت فى تحويل لحظة الانسداد إلى أفق حل، ومنعت انزلاق المنطقة إلى فوضى أوسع، ودفعت الجميع إلى طاولة تفاوض تعترف بميزان المصالح لا بمنطق السلاح وحده. من رماد الدمار فى غزة يطل أفق جديد تشارك فى صنعه دولة تعرف أين تضع قدمها، وكيف تحفظ أمنها وكرامتها وتاريخها، ستبقى مصر دائما مركز الحكمة فى عالم مضطرب، ورمانة الميزان التى تعيد للمنطقة عقلها كلما جن جنون السياسة واشتعل طيش بارونات الحروب غير المقدسة.