يشكل العمل الحزبي ركيزة أساسية في بناء الحياة السياسية في مصر إذ يُفترض أن تكون الأحزاب السياسية مدارس لتأهيل الكوادر وصناعة القيادات، وإعداد برلمانيين قادرين على تمثيل المواطن تحت قبة البرلمان. غير أن الواقع يكشف عن أزمة حقيقية في آليات اختيار بعض الأحزاب لمرشحيها في الاستحقاقات البرلمانية بما يهدد الثقة العامة في جدوى الممارسة الحزبية. لقد تابع الرأي العام خلال الفترة الماضية ما جرى من اختيارات داخل بعض الأحزاب بشأن قوائم مجلس الشيوخ. وللأسف غابت المعايير الواضحة في كثير من هذه الاختيارات لتحل محلها اعتبارات ضيقة مثل القدرة المالية أو العلاقات الشخصية أو ما يمكن وصفه بثقافة "المجاملة السياسية". وهنا تكمن الخطورة إذ تتحول الأحزاب من أدوات لخدمة الوطن إلى أدوات لتوزيع المناصب على أساس الشلالية والمصالح الخاصة. إن ما تحتاجه مصر الآن هو ترسيخ معايير موضوعية وشفافة في اختيار المرشحين تقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية: 1. الكفاءة والخبرة: حيث يُختار المرشح بناءً على قدرته على خدمة المواطن وفهمه للملفات التشريعية والرقابية. 2. التاريخ الخدمي والسياسي: أن يكون للمرشح سجل واضح في العمل العام وخدمة المجتمع لا مجرد حضور طارئ وقت الانتخابات. 3. التمثيل العادل: بما يضمن مشاركة الشباب والمرأة وذوي الكفاءات المختلفة وعدم حصر الترشيحات في دائرة ضيقة من الأشخاص. إن إرساء هذه المعايير ليس مطلباً شخصياً بقدر ما هو مطلب وطني لأن المواطن حين يرى أن المقاعد تُمنح بعيداً عن الكفاءة يفقد الثقة في الأحزاب وفي العملية السياسية برمتها. وحين يفقد الناس ثقتهم تضعف المشاركة السياسية ويضيع الجهد المبذول في بناء دولة حديثة قوامها العدالة والشفافية. ختاماً إن الدعوة إلى إصلاح آليات اختيار المرشحين ليست انتقاداً بقدر ما هي دعوة لتقويم المسار فالمصلحة العليا للوطن تقتضي أن تكون الأحزاب قاطرة للتنمية السياسية وأن يعلو معيار الكفاءة فوق أي اعتبارات أخرى. فقط حينها نستطيع أن نؤكد أن مستقبل الحياة السياسية في مصر يسير على الطريق الصحيح