في صمت يليق بمن غنت للمدن قبل أن تسكنها، وودعت العشاق قبل أن يخذلوها، عاشت فيروز سنواتها الأخيرة تحمل وجعًا قديمًا إلى أن ظهر وجع جديد فتح جرح الماشى الذى لم يغلق، ليال ثم زياد، ابنة وابن غابا عن حياتها بفارق 37عامًا، ليُترك قلبها بوجع الفقد مرتين. في سنة 1988 رحلت ليال، الابنة الكبرى لفيروز، فجأة وبلا وداع طويل، عن عمر لم يتجاوز ال 28 عامًا، إثر مضاعفات صحية طارئة، كانت فتاة بعيدة عن الأضواء، تعيش في ظل العائلة الفنية الكبيرة بصمت يشبه اللحن الأول قبل أن يعزف، فاجعة كسرت شيئا عميقا داخل فيروز، لم يرمم، وبالرغم من اختفاء ليال من الصور العائلية، لكن ملامحها بقيت مرسومة في الأغنيات، في نبرة الشجن، وفي المسافات الصامتة بين الجمل الموسيقية. ثم، وبعد 37 عام من الألم، عاد الوجع ليطرق باب فيروز، هذه المرة بوقعٍ أكبر، مع وفاة زياد، الابن الأكبر، المتمرد، العبقري، الرفيق الفني الأهم في محطاتها، رحل في 26 يوليو 2025، تاركًا خلفه ضجيجًا من التأمل والأسئلة والحنين، غاب زياد عن عمر يناهز ال 69 عامًا، بعد مشوار حافل لم يكن يومًا سهلًا، لا عليه ولا عليها، بينهما كانت محبة عميقة، رغم الخلافات، وربما بسببها. زياد، الذي ألبس صوت أمه ثوبا جديدا، وأخذها إلى عوالم جريئة وغريبة، ظل الابن الذي يشبه والده – عاصي – في عناده، وفي عبقريته، ومع رحيله، انتهى فصل من الموسيقى اللبنانية، لكنه أنهى الفصل الأصعب في حياة الأم – تلك التي كانت فيه فيروز دائما "أم زياد". أن تفجع الأم مرتين، أن تودع أبناءها واحدًا تلو الآخر، بفارق ثلاثة عقود ونصف، ليس حزنًا عاديًا، ولكنه زمن طويل من الانتظار والأمل والخذلان والسكوت، وها هي اليوم، فيروز، السيدة التي غنت للحب والسماء والمطر، تجلس في صمت بيتها، وقد دفنت قلبها في مكانين واحد في ضاحية الروشة حيث دفن جثمان ليال، وآخر في بيتها، حيث دفن زياد. وكما قالت في أغنيتها "الوداع" التي ألفها ولحنها فقيدها زياد الرحبانى: "دايماً بالآخر في آخر في وقت فراق".