منذ لحظتها الأولى، لم تكن ثورة يونيو خروجًا عن خط التاريخ، بل كانت امتدادًا صريحًا وواضحًا لروح جمهورية يوليو. يوليو التي رفعت راية الاستقلال، وأسست ملامح الدولة الوطنية الحديثة، وأعادت تشكيل الوعي المصري ليصبح حرًا، مستقلاً، عزيزًا في زمنٍ كانت فيه المنطقة كلها تُدار بالريموت من خارج حدودها. في يوليو وُلدت فكرة الكرامة، وفي يونيو تجدد العهد. فرغم اختلاف الوجوه والمعارك، تظل جمهورية يونيو بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي هي الحارس الأمين على نفس المبادئ: تحرير القرار الوطني، وتثبيت أركان الدولة، ورفض التبعية مهما كان الثمن. وكما قالها ناصر في زمنه: "لن نكون أتباعًا لأحد". حملها السيسي اليوم بصيغة أكثر صرامة: "مصر مش للبيع، ومحدش يقدر يفرض علينا حاجة" وما بين الأمس واليوم، لم يتغيّر كثيرًا شكل المؤامرة، وإن تغيّر خطابها. فبينما كانت جمهورية يوليو ترفض الانخراط في الأحلاف العسكرية الغربية، وتُسقِط المشاريع الاستعمارية واحدًا تلو الآخر – من مشروع أيزنهاور إلى حلف بغداد – نراها اليوم، عبر ثورة يونيو، تقف على نفس الأرض، تقاوم نفس الأهداف، وإن اختلفت الأسماء: • مشروع "النيتو العربي" بغطاء أمريكي • صفقات لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار "صفقة القرن" • محاولات إعادة ترتيب المنطقة وفق الرؤية الإبراهيمية، التي تسعى لتكوين كيان أمني جديد، يُحجِّم الجيوش الوطنية، ويُحيِّد القوى القادرة، ويضمن لإسرائيل تفوقها للأبد وهنا تأتي مصر، كما كانت دومًا، العقدة في المنشار. فبعد العراق وسوريا وليبيا واليمن، لم يتبقَّ إلا الجيش المصري، كقوة عربية قادرة على كسر المعادلة، وإرباك التصور الغربي لما يجب أن تكون عليه المنطقة. وكما تكالبت القوى الخارجية على يوليو، تتكالب اليوم على يونيو. الإخوان الذين تحالفوا مع الاستعمار ضد ناصر، يعودون بنفس الوظيفة، تحت لافتة جديدة. يسعون لخلق الفوضى، ثم عرض أنفسهم ك"بديل طيع" مستعد ينفذ كل ما يُطلب منه: • تخفيض عدد الجيش • التخلي عن السلاح النوعي • فتح أبواب سيناء لسيناريوهات تهجير الفلسطينيين • كل هذا مقابل وهم السلطة تحت راية الميليشيا وهنا نستعيد كلمات نزار قباني الخالدة، في رثاء عبد الناصر: "قتلناك يا آخر الأنبياء، قتلناك… ليس جديدًا علينا اغتيال الصحابةِ والأولياءِ فكم من إمامٍ قتلنا، وكم من نبيٍ ذبحنا" وما أشبه الليلة بالبارحة. نفس القوى، ونفس الأدوار، ونفس الخناجر التي لا تُشهر إلا في ظهر الوطن. لكن عبد الناصر لم يكن نبيًا، بل كان رجلًا من لحم ودم، لكنه أحيا في الناس فكرة أن الوطن ليس سلعة، وأن الكرامة الوطنية لا تُقايض. ولهذا صدق فيه نزار حين قال: "جمالٌ… كأن الجماهيرَ كانت تحبُّك رغماً عن الأنظمة" واليوم، ونحن في قلب معركة يونيو، نجد من جديد قائدًا يحمل نفس الرسالة: أن مصر لا تُدار من الخارج، وأن جيشها ليس بندقية للإيجار، وأن ما فُقد من العالم العربي لن يُفقد من أرض الكنانة. إنها ليست فقط مواجهة سياسية، لكنها معركة وجودية على هوية مصر ودورها واستقلال قرارها. ومثلما خرجت جمهورية يوليو من أزماتها كالعنقاء من الرماد، خرجت جمهورية يونيو من النار، حاملةً نفس الروح، ممتلئةً بعزيمة شعبٍ لم تنكسر إرادته، وجيشٍ لم يُهزم في معركة وجود قط. نعم، لا فرق بين "يوليو" و"يونيو"، لا في الحلم، ولا في المعركة، ولا في الخصوم. يوليو ويونيو، كلمتان من سطر واحد، عنوانه: مصر في مواجهة الاستعمار وأدواته، من زمنٍ إلى زمن، ومن قائدٍ إلى قائد، ومن شعبٍ لا يُهزم.