تكريس حالة من السلبية لدى المجتمعات، وإضعاف عزيمتها، وتقويض جهودها، يأتي في مقدمة الغايات، التي تتمخض عن الشائعات المغرضة، ليس هذا فقط، بل، فقد الثقة بين المواطن وقيادته السياسية، في مربع قمة أولويات من يقوم على نشر الأكاذيب، من خلال شائعات تحمل افتراءات، عبر منابر متلونة ومتعددة، تعضدها دول، أو مؤسسات، أو جماعات، باتت أجندتها معلنة، خاصة في مرحلة النزاعات التي أضحت مسلحة، والتي أظهرت فلسفة غير حميدة، تكمن في أن الغاية تبرر الوسيلة. عندما نتأمل مغزى الشائعات المغرضة، نجد أنها تستهدف الإضرار المباشر بالمقومات الاقتصادية للأوطان، وتلك الغاية الخبيثة، تؤكد على أن انهيار الشعوب، يأتي من بوابة العوز وشدة الفاقة، التي في سبيلها تخلو ساحة الوجدان، من قيم الولاء والانتماء، وتستبدل بخلق مذموم؛ حيث الفساد والإفساد، في ضوء شعارات النفعية القميئة، وحدود المصالح الخاصة، وتجنب الالتفاف حول غايات الوطن العليا. الانهيار الاقتصادي، يكرس الانهزامية في نفوس الشعوب، ويجعلها بسرعة البرق تخرج عن السياق؛ لتذهب لملجأ الخلاص، مما تعيشه من تعاسة، وتنساق لدعوات مكذوبة، لا تجني من ورائها إلا ضياع مستقبلها وأجيالها؛ فتدخل في أنفاق تلو أخرى، ولا ترى عيونها نور الصلاح، والإصلاح، والتنمية، ولا تحقق نهضة باتت على الأبواب؛ ومن ثم تقع فريسة لذئاب، لا تستهدف سوى مقدراتها المادية، والقضاء على مواردها البشرية. من يتأمل في طبيعة الشائعة، التي تحمل بين ثناياها أكذوبة ما، أو تتضمن نقصان لمغزى خبيث، أو فبركة لأحداث لا أساس لها من الصحة؛ فإنه يدرك أن الغرض منها العمل على تغيير الاتجاهات الإيجابية لدى المواطن؛ كي تستبدل بأخرى سلبية، تجعله يشكك في كل ما يحيط به، بل، تقوض جهوده، ومقدرته على العطاء، ومثابرته من أجل تحقيق أهدافه الخاصة المشروعة؛ حينئذ يحاول أن يخرج عن سياق الأنظمة، التي من المفترض أن تهيئ له المناخ الفعال؛ كي يستكمل مراحل الإعمار والتنمية في ربوع وطنه. في إطار الشائعات المغرضة، نرصد أمراضًا اجتماعية، تتفاقم آثارها المدمرة يومًا تلو الأخر؛ فتزداد معدلات الجريمة، وتتنامى الأفكار المشوهة، وهنا اعتقد أن هذا يعد أحد نتاجات التلوث الفكري، الذي يصاب به الإنسان، جراء قبوله، أو تقبله، للشائعات المشوهة، وانسياقه وراء الأفكار غير السوية، والسماح لمن يبثون السموم بالذيوع والانتشار، رغم مقدرته من خلال مساهمته في الحد من تلك الشائعات، عبر شراكة فاعلة تكمن في التوعية، ونشر الحقائق من مصادرها الرسمية الموثوق فيها. القضايا التي تتبناها الدولة، وتدافع عنها منذ فجر التاريخ، في ضوء الثوابت، والقيم، والمبادئ، التي توارثتها الأجيال، أضحت في مرمى الشائعات المغرضة، من قبل أصحاب الأجندات، والقلوب المريضة؛ فقد بدت النوايا غير السوية واضحة، في تعزيز الفهم الخطأ، أو المغلوط، بصورة ممنهجة، من قبل جماعات تعيش حياتها في ظلام دامس، وسط مستنقع أفكار محرفة، ومشوهة. ما تمت الإشارة إليه آنفًا، ما هو إلا إطلالة، توضح مبررات نشر الشائعات المغرضة؛ فهناك المزيد من المآرب الأخرى، التي تقف وراء هذا الأمر، يصعب حصرها، وتناولها، في هذا المقام الضيق؛ لكن نؤكد بأن حالة الإرباك سواءً أكانت على المستوى الفردي فيما يخص فكره، أم على مستوى الرأي العام؛ فإننا نعي تمامًا أن الاهتمام من قبل المغرضين، يكمن في خلق المناخ السلبي، الذي يفسد العلاقات المجتمعية في المقام الأول، ويضعف اللحمة، والتماسك، والتكافل، والتضافر، والاصطفاف، خلف الدولة. أوصي نفسي وإياكم؛ بتحري المصادر التي نكاشف من خلالها المعلومات، أو نستقي منها الأخبار، وتعالوا بنا نجتهد؛ كي ننشر الحقائق، التي تظهر جهود الدولة، ومؤسساتها الوطنية، وقيادتها السياسية، ودعونا نغرس في أذهان ووجدان شبابنا الواعد، أهمية العطاء اللامحدود لوطن يسكن القلوب، وأن نخلق المناخ الداعم للتنمية، بكل صورها، وأن نطالع ما لدينا من مقومات، وقدرات، نستطيع أن نصل بهما للريادة؛ فلدينا تاريخ مجيد، وجغرافيا متفردة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أ.د/ عصام محمد عبد القادر أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر