فى إحدى الندوات كان الدكتور زاهى حواس يتحدث بحماس عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، حين طرح أحد الحاضرين سؤالا بدا مألوفًا لديه: "هل لعنة الفراعنة حقيقية؟"، ابتسم حواس، ثم قال بنبرة مرحة أوقفت أنفاس الجميع: "سأرسل إليكم فرعونًا صغيرًا ينتقم منكم ليلًا"، فصمتت القاعة فجأة. هكذا تبدأ واحدة من أكثر القصص إثارة للجدل في تاريخ علم الآثار: "لعنة الفراعنة"، لكن زاهى حواس، الذي قضى عمره في التنقيب بين أحجار المعابد وظلال المقابر، يرى أن الأمر لا يتجاوز حدود الخيال. في مقال الدكتور زاهى حواس المنشور بجريدة اليوم السابع، تحت عنوان "حقيقة لعنة الفراعنة"، يفكك عالم الآثار الأشهر هذه الأسطورة، قائلًا: إن النصوص المحفورة على جدران المقابر لم تكن سوى رسائل ردع للّصوص، لا تعاويذ سحرية تدوم لآلاف السنين. "الأمر يثير الضحك"، يقول زاهى حواس، خصوصًا عندما يجد نفسه مجبرًا على الرد على هذه الأسطورة المتكررة في كل ندوة ومحاضرة، لكن خلف الدعابة، هناك حكايات واقعية غذت هذه الأسطورة، لعل أغربها ما رواه له الدكتور طارق العوضي، مدير المتحف المصرى أثناء ثورة يناير، حين استخدم بوق الحرب الخاص بالملك "توت عنخ آمون"، ليتزامن مع اندلاع الثورة، ما جعل البعض يتحدث عن لعنة "توت" التي أطلقت غضبها في الميادين. ومع أن القصة تبدو غرائبية، فإن التفسير الواقعي الذي يقدمه زاهى حواس لا يقل دهشة، فالمقابر، كما يشرح، ظلت مغلقة مئات السنين، ومع دخول هواء فاسد مليء بالجراثيم والبكتيريا، يمكن أن يسبب الموت الفجائي لمن يقتحمها دون استعداد، علماء الآثار الأوائل لم يعرفوا ذلك، وكان كثير منهم مغامرين أكثر منهم علماء، فكانوا أول ضحايا ما أطلق عليه لاحقًا "اللعنة". لذلك يوجه الدكتور زاهى حواس نصيحة لكل بعثة أثرية: "قبل أن تدخلوا، دعوا المقبرة تتنفس"، افتحوا أبوابها، اتركوا الهواء النقي يتسلل، انتظروا لساعات، وربما ليوم كامل، وبعدها فقط، يمكن أن تعبروا العتبة بأمان... تاركين اللعنات خلفكم، حبيسة الأساطير.