سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خطيب المسجد النبوى ل"حجاج بيت الله": عظموا شعائر الله ولا تنشغلوا بالجوال والقيل والقال.. اتركوا الهواتف وارتدوا ثوب الإحرام بقلوبكم.. لا تتدافعوا وحافظوا على الضعفاء واحترموا سكينة المدينة المنورة
في مشهد يغلب عليه السكينة والتجلي، توافد الآلاف من الحجاج إلى المسجد النبوي الشريف بالمدينةالمنورة لأداء صلاة الجمعة قادمين وفى قلوبهم شوقاً إلى الديار المقدسة. وفي هذا الجمع الإيماني، ألقى خطيب المسجد النبوي خطبة مؤثرة، استهلها بتذكير الحجاج بعظمة ما هم مقبلون عليه من مناسك، وضرورة الاستعداد القلبي والعقلي والجسدي لها. أكد الخطيب أن شهر ذي القعدة، الذي نعيشه هذه الأيام، هو من الأشهر الحرم التي تتضاعف فيها الأجور وتعظم فيها الآثام، مشدداً على أن التهيئة لمناسك الحج لا تقتصر على الأمور اللوجستية أو الحركية، بل تبدأ من نية خالصة لله، وعلم صحيح بالمناسك، وفهم واعٍ لمعاني الرحلة، التي وصفها بأنها ليست انتقالاً من مكان إلى آخر، بل عبور من حال إلى حال، ومن قلب مشغول بالدنيا إلى روح تتعلق بالآخرة. وتناول الخطيب في خطبته حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة، التي وصفها بأنها مأرز الإيمان ومهبط الطمأنينة، وذكر كيف أن النبي حين دخلها مهاجراً أحبها كما لم يحب مكاناً آخر، فباركها الله، وجعل فيها من الخير والسكينة ما لا يُقارن. وانطلاقاً من هذا البعد التاريخي والديني، دعا الحجاج إلى احترام المدينة وسكانها وزائريها، وعدم الخروج عن المألوف في سلوكهم أو أقوالهم، وأن يكونوا قدوة في التحلي بالأدب، خفض الصوت، وصيانة المكان. وشدد على أن سكينة المدينة ليست مجرد هدوء عابر، بل ميراث نبوي يجب صونه، فلا ينبغي أن تُكدر بالممارسات الصاخبة أو السلوكيات المستهترة. وناشد الحجاج بالتحلي بالوعي والانضباط، وبتقدير قدسية الزمان والمكان، فالمدينةالمنورة ليست فقط محطة في طريق الحج، بل هي قلب التجربة الروحية، وموطن رسول الرحمة. وانتقل الخطيب إلى توجيه نداء مباشر للحجاج، داعياً إياهم إلى تعظيم شعائر الله، وعدم الاكتفاء بالمظاهر أو الشعارات، فالحج، كما أوضح، رحلة عبادة تتطلب حضوراً كاملاً، لا تشتته الشاشات، ولا تضعفه المحادثات الجانبية، أو الانشغال بتوثيق اللحظة على حساب عيشها. وحذر من مغبة انشغال البعض بالهواتف المحمولة ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، مما يسرق من الحاج أعز ما في رحلته: صفاؤها وخشوعها. وأكد أن ما يعكر صفو هذه الرحلة أكثر من أي شيء آخر، هو القيل والقال، والثرثرة التي لا طائل منها، داعياً إلى استثمار الوقت في الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والصلاة، والبعد عن كل ما يفسد القلب أو يشتت النية، فالحج ليس مناسبة اجتماعية، ولا رحلة سياحية، بل هو لقاء حقيقي مع الله، لا يحتمل تشتتاً. وفي ختام خطبته، وجّه خطيب المسجد النبوي تحذيراً من مظاهر التدافع، وغياب الرحمة، لا سيما في الزحام وعند أداء النسك. وأشار إلى أن البذل للضعفاء، وتيسير الأمر للبسطاء، والرفق بكبار السن، والمساكين، هو من أعظم القربات التي يمكن أن يتقرب بها الحاج إلى الله. فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال، بل سكينة ورحمة وأخوة. ودعا الجميع إلى أن يجعلوا من رحلتهم هذه فرصة لإعادة بناء الذات، واستعادة النقاء الداخلي، والرجوع إلى الله بقلب سليم. فالحج، كما ختم، لا يُقاس بعدد الصور الملتقطة، بل بعدد اللحظات التي خالطت فيها دمعةٌ صدق التوبة، وسجدةٌ أوجاع القلب.