حرصت على متابعة الدراما الرمضانية كما أفعل كل عام، وعيني رغمًا عني تظل يقظة لكل ما يمس قضايا المرأة. ليس فقط ككاتبة متخصصة، ولكن كامرأة أشعر أن كل حكاية على الشاشة قد تلامس جانبًا من حياتي أو حياة من حولي. ولأنني أدرك مدى التأثير العميق للدراما في تشكيل الوعي المجتمعي، فقد تابعت باهتمام التقرير المبدأي الذي أصدره المجلس القومي للمرأة حول صورة المرأة في الأعمال الرمضانية. لا يسعني إلا أن أشكر المجلس على هذا الجهد المبذول في الرصد والتحليل، فمثل هذه الخطوات تفتح المجال لحوار مجتمعي ضروري حول صورة المرأة في الإعلام. لكن ما أثار استغرابي هو "البوست" الذي نشره المجلس لإعلان النتائج الأولية على صفحته الرسمية بفيسبوك. فقد جاء بتعميمات قاسية لم تعكس الصورة الكاملة التي وردت في التقرير ذاته، بل وتناقضت معها في بعض النقاط. على سبيل المثال، أشار "البوست" إلى أن "لم يقدم أي مسلسل هذا العام نموذجًا واقعيًا للمرأة المصرية المجدة المخلصة الناجحة". لكن التقرير نفسه أثنى على بعض الأعمال التي قدمت نماذج إيجابية منها مسلسل "شهادة معاملة أطفال" إنتاج الشركة المتحدة، حيث ظهرت امرأة مخلصة لمهنتها، تحارب من أجل أداء دورها رغم محاولات الإحباط. كذلك الصديقة المساندة لصديقتها في الأزمات والمرأة التي تتعامل مع المشاكل بهدوء وحكمة مثل مسلسل "كامل العدد3" و"قلبي ومفتاحه". وكذلك لم يغفل التقرير دور الابنة المساندة للأسرة في مسلسل "قلبي ومفتاحه". ومن جانب آخر، انتقد "البوست" مشاهد تعكس سلوكيات سلبية مثل البحث عن "محلل" للزواج وتعدد العلاقات المحرمة، معتبرًا أن هذه المشاهد تسيء لصورة المرأة. لكن هل تسليط الضوء على هذه القضايا يعني الترويج لها؟ أليس من الضروري أن تناقش الدراما مثل هذه الظواهر الاجتماعية لإثارة النقاش المجتمعي حولها؟ إن تقديم هذه القضايا من منظور نقدي هو خطوة مهمة نحو التوعية بالمخاطر التي تنطوي عليها، وليس بالضرورة تأييدًا لها.
أما فيما يخص العنف والقضايا المجتمعية، فإن التقرير ذاته أشار إلى أعمال ناقشت هذه القضايا بوعي، مثل مسلسل "ولاد الشمس" الذي تناول قضية العنف داخل دور الأيتام بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي، وكذلك مسلسل "كامل العدد" الذي ناقش بعمق تأثير الطلاق والزواج الثاني على الأطفال.
لقد رصد التقرير نماذج إيجابية للمرأة القوية والمساندة، مثل شخصية المرأة التي تصدت للظلم في مسلسل "فهد البطل"، والمرأة التي تحملت مسؤولياتها الاقتصادية في مسلسل "80 باكو". هذه الشخصيات كان من الأجدر أن تحظى بمساحة من التقدير في "البوست"، لتشجيع صناع الدراما على تقديم المزيد من النماذج المشرفة خاصة مع إدراك حقيقة أن نسبة كبيرة من جمهور "السوشيال ميديا"سيكتفي بقراءة "البوست" على فيسبوك دون الاهتمام بالاطلاع على التقرير كاملاً. النقد البناء لا يعني التعميم أو التجاهل التام للجهود الإيجابية. بل هو دعوة لمزيد من التوازن في الطرح، والاعتراف بما هو جيد كما يتم تسليط الضوء على السلبيات. ومن هنا، أرجو أن يكون التقرير النهائي أكثر إنصافًا وموضوعية، وأن يواصل المجلس القومي للمرأة دوره في دعم الدراما التي تقدم صورة عادلة للمرأة المصرية. في النهاية، لا نحتاج إلى دراما مثالية بقدر ما نحتاج إلى دراما صادقة. دراما تعكس واقعنا بكل ما فيه من تحديات وانتصارات، دون أن تنسى أن بين طيات هذا الواقع نساء ملهمات يصنعن التغيير كل يوم.