أحمد زكي 5

أظن أن ما استهوي خيري بشارة في (كابوريا) كان سيناريو عصام الشماع الذي حاول الجمع بين أفكار متباينة بدأت بالظهور في المجتمع المصري أهمها حالة الطبقة التي كرست الثروات بفضل انفتاح (السداح مداح) والذي بدأ عقب معاهدة السلام مع إسرائيل وكذلك انتشار منطق (الفهلوه) والكسب السريع حتى ضرب فئات كثيرة من الطبقات الدنيا التي لم تجد أي وسيلة للنجاة سوى (الشعبطة) في أذيال هذه الطبقة الطفيلية الناشئة.
طبعاً هذا لم يخطر ببال أحمد زكي وهو يتحمس للفيلم (وربما لو عرف لرفض!!) ولكن جو التناقض والمفارقة استدعى بداخله هذا التاريخ الطويل من الاستنكار.. وربما الغضب – لأحوال يراها ولا يعرف طريقة للتعبير عنها.. كان لعصام الشماع سيناريو سابق تمكن المخرج الكبير محمد فاضل من تحويله إلى فيلم تلفزيوني شديد التميز بإمكانيات متواضعة ومن بطولة عبدالله محمود والممثلة الكبيرة فردوس عبدالحميد هو (طالع النخل).. وربما كان هذا هو السبب في اعجاب خيري بالسيناريو الجديد الذي تحمس له أيضاً حسين الإمام فألف ولحن الأغنية التي أسهمت بقسط كبير في نجاح الفيلم وخاصة مع أداء أحمد المذهل للأغنية.
كنا خيري بشارة وأنا نزور أحمد زكي في فندق صغير بالمهندسين (أظن إن أسمه القاهرة) نتحدث في شأن الفيلم وكنت قد بحثت – بتكليف من خيري -عن أبطال ملاكمة حقيقيين ولديهم رغبة في التمثيل لمشاركة أحمد زكي وبعد بحث طويل وجدت ضالتي في (مركز شباب زينهم) الذي كان يشتعل بالمنافسة وخاصة بين رياضي الملاكمة ورفع الأثقال.. وكان أن أحضرت لخيري محمد لطفي ومحمد عبدالغني فوافق عليهما منذ اللقاء الأول بحساسيته الشديدة للموهبة البادية وخاصة لدى محمد لطفي (الذي يعتبرني حتى الآن مكتشفة الأول).. كان كل من يلعب ملاكمة في المركز – تقريباً – يحلق شعره على طريقة (تايسون) الذي كان أسطورة هذا الوقت..
المهم..
بعد أنصراف لطفي وعبدالغني اقترحت على أحمد أن (يحلق) شعره على طريقة تايسون لإضفاء جو شعبي على الشخصية فرفض تماما بحجة أن لديه أسبوعاً للتصوير في فيلم آخر ولن يتمكن من كسر (الراكور) وغمز لي خيري بأن استدعى كوافير الفيلم للفندق دون معرفة أحمد..
حضر الرجل وتمكنا من إقناع زكاوة بأن (يجرب) فقط شكله الجديد وصعدنا إلى غرفته وبدأت عملية الاستدراج برفض مع موافقة كامنة حتى انتصر (المجنون) في شخصية أحمد زكي لدرجة أنه طالب بمزيد من الاقتراب من (تايسون) حتى نظر إلى نفسه في المرآة بفرحة خبأها وراء غضب شكلي: ياأولاد ال... طب وبعدين أعمل ايه في الفيلم اللي لسه ماخلصش.. ضحك خيري وقال: أنت اللي طلبت!! فقال أحمد وقد امتلأ حماسة، خلاص ندخل الأسبوع الجاي.. وانتزع مني الجاكيت الذي يشبه أفرول الجيش وقال أن هذا هو (لبسه) طوال الفيلم.. قلت: ده مش مقاسك ياعم.. قال:: مقاسي بالظبط.. أنا هأديك بدالة أحلى جاكيت (سينيه).. وهكذا بدأ (كابوريا) وانتهى دون أن استرد الجاكيت وطبعاً دون الجاكيت الموعود.
ومن المفارقات أيضاً ان الفيلا التي صورنا فيها مشاهد العائلة الثرية التي تتسلي باستغلال الفقراء وصراع الديوك كانت تنتمي إلى أحد أفراد عائلة (بلادن) الشهيرة وإن كانوا مختلفين تماما عن أسامة طبعاً ولديهم البذخ الذي عبر الفيلم عن القليل منه.
وعن حديث المفارقات شارك المطرب شفيق جلال بدور مميز في الفيلم وفي أحد المشاهد المهمة (أظنه مشهد أغنية قزقز كابوريا) اختفى عم شفيق تماما من الفيلا التي كنا نصور بها بشارع الهرم.. وتوقف التصوير حوالي 3 ساعات في انتظار المطرب الشعبي الشهير الذي عاد مبتسما في وجهي الغاضب كمساعد مخرج قائلاً: ياعم مجدي إحنا في شارع الهرم والكباريهات شغالة حصل إيه يعني لما رحت قلت شوية وخدت قرشين.. إنت تكره لي الخير؟ ضحكت لمنطقة ولكنه أكمل هامساً: على فكرة اللي اخدته في الساعة دي أكثر من أجرى في الفيلم بتاعكو؟؟!!
أما العالمية (كيت بلانشيت) التي قيل إنها مثلت كإحدى المجاميع في الفيلم فلم ألحظها وقتها ولكني وجدتها تجلس خلفي (نعم خلفي)في مهرجان دبي السينمائي الدولي.. عرفتها بنفسي والتقطت معها صورة سيلفي ثم سألتها عن حقيقة وجودها بالفيلم فقالت أنها جاءت مع صديقة لها فعلاً ولكنها غادرت قبل التصوير وعندما قلت لها ان بعض المواقع تضع اسمها وصورتها على أفيش الفيلم ابتسمت دون اهتمام. ولكنها كانت سعيدة بنجاح الفيلم في مصر والوطن العربي.