وزير الشؤون النيابية: الحكومة تقدم أجندة تشريعية مرنة كل دورة برلمانية    وزير التعليم يبحث مع رئيس جامعة الأمم المتحدة إنشاء فرع بمصر للذكاء الاصطناعي    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    الصحة العالمية: المجاعة بغزة ستودي بحياة 132 ألف طفل دون سن الخامسة    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    تشكيل الأهلي المتوقع ضد غزل المحلة في الدوري المصري    إحباط محاولة تهريب 3 آلاف قرص مخدر بقيمة 2 مليون جنيه داخل طرد بريدي عبر ميناء جوي    بالأسماء.. إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارتين على صحراوي البحيرة    تفاعل مع عروض الأراجوز والعرائس ضمن أنشطة قصور الثقافة بمعرض السويس للكتاب    الوادي الجديد تطلق مشروع منصة رقمية للترويج لكنوزها السياحية    الفائزون بجوائز المهرجان القومي للمسرح يتحدثون ل«الشروق»: حققنا أحلامنا.. والتتويج من الوطن له طعم خاص    حماس: تصريحات كاتس بشأن عملية غزة اعتراف بالتطهير العرقى    المفوضية الأوروبية تحصي إجمالي الدعم المالي والعسكري المقدم لأوكرانيا    أزمة برنامج طهران النووي.. الإعلان عن موعد المحادثات الأوروبية الإيرانية    ضبط لص حاول سرقة حقيبة من شخص فى العمرانية    محمود فوزي: تأسيس الأحزاب حق دستوري ولا قيود على المعارضة    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    انقلاب سيارة محملة بالعنب على الطريق الدائرى اتجاه قليوب    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    خطيب الجامع الأزهر يحذر من زراعة اليأس والإحباط في القلوب: خطر كبير يواجه الأمة    الصحة: تقديم 57 مليون خدمة طبية مجانية ضمن حملة «100 يوم صحة» في 37 يومًا    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    قانون الرياضة الجديد ينظم تأسيس شركات الخدمات الرياضية بمشاركة الهيئة بنسبة 51%.. تفاصيل    فورين بوليسي: منطقة "دونباس" مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا    فلسطين: تصريحات وزير إسرائيلي بخصوص ضفتي نهر الأردن تهديد لأمن المنطقة    المقاومة العراقية تطالب بالانسحاب الحقيقي للقوات الأمريكية من العراق    أفضل فريق لخاصية "وايلد كارد" في فانتازي الدوري الإنجليزي    الداخلية تكشف كواليس سرقة سيارة مُحملة بحقائب سفر بالسلام    تنفيذ 83 ألف حكم قضائي وضبط 400 قضية مواد مخدرة خلال 24 ساعة    مرموش: لم تفاجئني بداية إيكيتيكي مع ليفربول.. وصلاح الأفضل    تسجيل مركز قصر العيني للأبحاث السريرية رسميا بالمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    حريق محدود يؤجل امتحانات مركز تقييم القدرات.. و«التنظيم والإدارة» يحدد مواعيد بديلة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    العين مرآة العقل.. وهذه العلامة قد تكشف مرضًا عقليًا أو اضطراب نفسي    من أوائل الثانوية بمحافظة شمال سيناء.. وفاة الطالبة شروق المسلمانى    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    *لليوم الثاني.. خدمة Premium الجديدة بقطارات السكة الحديد "كاملة العدد"    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    الاقتصاد المصرى يتعافى    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بماليزيا.. أحمد كريمة يوضح الرأي الشرعي    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    محمود ناجي يدير مباراة السنغال وأوغندا في ربع نهائي أمم افريقيا للمحليين    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الإفريقي    تهيئة نفسية وروتين منظم.. نصائح هامة للأطفال قبل العودة إلى المدارس    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوانين الفن «1»

هل يعرف الذين يريدون الآن وضع قيود على الآداب والفنون شيئا عن القوانين الحقيقية التى تقوم عليها الآداب والفنون؟ قوانين الآداب والفنون مستقلة عن قوانين المجتمع، لأنها قوانين تتعلق بالجمال كقيمة إنسانية فطر الله الناس عليها، وإلا ما كنا كرهنا القبح فى كل شىء. سأسوق هنا بعضا من هذه القوانين التى لا يعرفونها، وأبدأ بالشعر. أول هذه القوانين وبعضها بالمناسبة لم يضعها أحد مثل أن الأديب أو الفنان هو شخص غير متوافق مع المجتمع والحياة. الشخص الذى لا يشعر بالقلق والذى يعيش راضيا سعيدا بما حوله لا يفكر أن يمارس الإبداع الأدبى أو الفنى؛ فالفنان يريد دائما أن يتجاوز ما حوله ويعبر بالكتابة أو أى نوع من الفنون عما لا يراه الناس، أو يرونه ويغفلون عنه. وفى ذلك لا يسلك الطرق العادية. فالشاعر مثلا لا يقدم لك كلاما له معنى مباشر، ولكن يقدم لك صورا تشعر بها وتراها قبل أن تفهمها. فحين يقول امرؤ القيس «مكر مفر مقبل مدبر معا» يرتبك الشخص العادى فى هذه الصورة للفرس؛ فيتبعها الشاعر بالفطرة بالشطرة الأخرى لبيت الشعر قائلا «كجلمود صخر حطه السيل من عل». فتتضح الصورة أكثر. وفى كل الأحوال هو هنا يقدم صورة ولا يقدم كلاما مرسلا. إذن هو فى منطقة الرؤية وغالبا ودائما تأخذ الرؤية الشاعر إلى ما لا يراه ويعقله الآخرون، وكل بقدر موهبته. فالابتعاد عن العادى فى الرؤى هو ما يجعل الشاعر أشعر من غيره. وفى كل الشعر العظيم تقف مندهشا سعيدا أمام هذه الرؤى التى لا يصل إليها الشاعر العادى فما بالك بالإنسان العادى وتشعر بقيمة الجمال. لقد أبدع العرب القدامى فى الشعر وانطلقت مواهبهم فتجاوز الشاعر كل الأعراف بدءا من التفكير فى الحياة والطبيعة من حولهم إلى التفكير فى الكون نفسه. ثم لأن الشعراء لم يكونوا يملكون غير شعرهم، لم يتركوا شيئا حولهم أثار أرواحهم إلا كتبوا عنه، ومن هذه الأشياء الحب والجنس فهو رافد رئيسى فى الحياة البشرية، بالضبط كما كتبوا فى السياسة ومكارم الأخلاق. فالنابغة الذبيانى هو الذى وصف امراة المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة وصف المجرب كما قال عنه خصومه الشعراء للملك، حتى إنه وصف عضوها الجنسى وصفا غير مسبوق فى معلقته. «فإذا لمست لمست أجثم جاثما متميزا بمكانه ملء اليد. وإذا طعنت طعنت فى مستهدف رابى المجسة بالعبير مقرمد. وإذا نزعت نزعت عن مستحصف نزع الحزور بالرشاء المحصد، وإذا يعض تشده أعضاؤه عض الكبير من الرجال الأدرد».
فى الوقت الذى وصف فيه امرؤ القيس وضع خليلته وهى معه فى الفراش وترضع رضيعها «فانصرفت له بشق وتحتى شقها لم يحول» كذلك فعل عمر بن أبى ربيعة فى وصف النساء فى الحجيج ومغازلتهن وهكذا. على الجانب الآخر كان هناك شعراء الحب العذرى المشاهير قيس بن الملوح أشهرهم طبعا وقفوا عند جمال المرأة وروحها. وهكذا. وكل هؤلاء قدموا صورا تخصهم وحدهم وليس مطلوبا من كل الناس أن يفعلوا مثلهم لأن الموهبة لا تتحقق لكل الناس والموهبة هى التى تجعل الشاعر مختلفا وسابقا للناس العاديين فى الرؤية. والذى يقرأ هذا الشعر على اختلاف أنواعه يعجب بجمال الصورة أكثر مما يعجب بمعانيها إذا كان متذوقا للشعر وإن لم يكن فهو يقف عند المعانى وقد تعجبه أو لا تعجبه وفقا لظروفه النفسية وتربيته الاجتماعية التى لا تلزم غيره الذى له ظروف أخرى وتربية أخرى.
لقد شهد الشعر العربى فى العصر الجاهلى وكل العصور الإسلامية تألقا فى كل أنواعه، وقيل أن الشعر هو ديوان العرب لأنهم لم يكونوا يعرفون غيره بشكل واسع أو بقدر اتساعه، وذاعت قصائد فى الحب والهجاء والحرب والجنس أيضا كما أوضحت كتب التراث العربى مثل الأغانى وعيون الأخبار وغيرهما حافلة بها، ولم يقل أحد للشعراء اكتبوا فى هذا ولا تكتبوا فى هذا. وإن كان بعضهم قد قتل فكان ذلك من الحاكم الذى وصل الشعر إليه شخصيا، ولم يكن ممكنا لحاكم يملك ويحكم وفقا لتقاليد القبيلة أو الحكم الإسلامى فيما بعد أن يتحمل الانتقاص من قدره، لأن الشعر يذيع فى المحافل بسرعة وينتقل بين الألسنة.
جرى على الشعر العربى تغير كبير فى العصر الحديث فى شكله بعد أن ضاقت القصيدة العمودية على المعانى الحديثة وظهرت قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر. لكن وهذا غريب جدا، فالشعر الذى احتفى بالجنس قل كثيرا جدا وكاد ينعدم. لا أعرف قصيدة حديثة تتحدث عن عضو جنسى لامراة أو رجل. ولم يكن ذلك لموقف أخلاقى من الشاعر، ولكن لأن قضايا أخرى صارت تفرض نفسها مثل الاغتراب فى الأوطان وضياع الأوطان نفسها وغيرهما مما يطول فيه الحديث. حاول أنصار القصيدة العمودية اتهام أصحاب الشعر الحر بالعداء للعروبة وانتصر الشعر الحر. وحاول ويحاول أنصار الشعر الحر اتهام قصيدة النثر بالعداء للعروبة والقومية وتتقدم قصيدة النثر. وهذه المحاولات كلها هى حروب يشنها أصحاب كل مذهب ويجدون فى السياسة سلاحا. لكن فن الشعر يتقدم غير مبال، وفى كل المدارس لا يتوقف الشعر أبدا عن أن يكون صورة ممتعة ومؤثرة وجميلة ومتفردة بحسب موهبة صاحبها. والذى يقرأ الشعر فى كل العصور يعرف أن هذا كله خيال الشاعر ورؤاه لا يخصه منها كقارئ إلا الجمال فى صورها. لماذا إذن يريد أصحاب أفكار القيود على الفن وضع هذه القيود؟ لأنهم ببساطة لا يفهمون معنى الشعر، ويتصورون أنه كلام مرسل ونصائح ومواعظ وهذا هو التخلف بأجلى صوره، لأن كل شخص يستطيع أن ينصح ويعظ، لكن ليس كل شخص يستطيع أن يصور ويصل إلى الجمال. بل اختصار الشعر فى نصيحة وموعظة هو القبح نفسه. وإذا حدث ذلك فى الشعر فيكون فى صورة لها أكثر من معنى، أو لها معنى ظاهر ومعنى خفى أعمق لا يدركه القارئ العادى. انظر وتمعن فى قول المعرى مثلا «خفف الوطأ ما أظن أديم هذه الأرض إلا من هذه الأجساد». أو قول المتنبى «يموت راعى الضأن فى جهله ميتة جالينوس فى طبه». أو قول طرفة بن العبد «لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد» أو قوله «ألا أيها اللائمى أشهد الوغى وأن انهل اللذات هل أنت مخلدى» وأنا أضرب هنا أمثلة بالشعر القديم الذى لا يعرف هؤلاء الأعداء للفنون غيره، ولا أظن أنهم يعرفونه جيدا، وقل لى ماذا تفهم من هذا الشعر غير معان فلسفية وجودية قبل أن تظهر الوجودية فى الفلسفة.
القارئ العادى سيجد الحكمة فى هذا جميلة، والقارئ غير العادى سيراها موقفا ورؤية للوجود، والاثنان سيفتتنان بالصورة قبل المعنى. ابعدوا عننا، ربنا يخليكم وتأملوا قول طرفة «أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة.. وما تنقص الأيام والدهر ينفد» يعنى اعرفوا ربنا لأنه هو الذى خلق الشعراء وأعطاهم الموهبة ليكونوا مختلفين عن غيرهم ومتفردين بينهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.