قرأت مقال نادر بكار المنشور تحت عنوان الفن وحرية الإبداع المنشور ب"اليوم السابع" فى 31-3-2012، وعلى الرغم من أنه مقال مقتضب، إلا أنه يحمل موقفا متوازنا من الفن ومن حرية الإبداع، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، وتحتاج إلى تفصيل أكبر وتأصيل أعمق، وكنت قد سمعت من نادر بكار نفسه بعد كتابة المقال، وفى حوار تليفزيونى، إن حزب النور لن يكون مرجعا فى مسألة الأعمال الفنية والأدبية، وأرجع الفصل فى الخلاف إلى الأزهر الشريف (سيكون المرجعية). وهنا لابد أن تطرح مجموعة من الأسئلة أهمها: ما المعايير التى سيحكم بها الأزهر على الأعمال الدرامية والأدبية؟ وهل هذه المعايير ستكون فنية وأدبية أم معايير دينية؟ وهل هذه المعايير ستكون ثابتة أم أنها ستتغير بتغير شيخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، وتدور معهم تشددا واعتدالا، انغلاقا وانفتاحا؟! ثم السؤال الأهم: هل كان للفن والأدب فى صدر الإسلام وعصر الخلفاء والدولتين الأموية والعباسية مرجعية مهما كانت؟! وهل عرض الفقيه والناقد الأدبى الكبير ابن قتيبة كتابه (الشعر والشعراء) على أحد، قبل أن يألفه، ويجعله متاحا للقراءة، مع العلم بأن الكتاب مرجعا فى الشعر والشعراء، ويحتوى على أشعار قد ينظر إليها الكثيرون الآن على انها داعية إلى الفجور، ولا يصح أن تطبع فضلا عن نشرها؟ وهل استأذن أبو الفرج الأصفهانى أحدا قبل أن ينشر موسوعته (الأغانى) وهى موسوعة كبيرة، وبها من الأشعار والأغانى ما يعد من قبل البعض فجوراً بواحاً؟! وهل طلب منه أحد أن يستأذن أحدا أو هيئة أم أن حرية الإبداع كانت متاحة بشكل حقيقى فى كل عصور الازدهار العربى والإسلامى استطاع المبدعون من خلالها ان يبدعوا ما يشاءون، وهل قرأ إخواننا من السلفيين أشعار بشار بن برد؟ وهل قرأوا كتاب الرائع ابن حزم الظاهرى (طوق الحمامة فى الألفة والألاف)؟ وهل وجدوا هيئة اسلامية كانت مرجعا يحكم فى حرية الفن والإبداع حتى يأتى الأزهر أو غيره ليكون مرجعا فى أعمال فنية وأدبية لا علاقة له بها؟ يجب علينا أن نترك المبدعين يعبرون عن إبداعهم وإذا أردنا أن نحاسبهم أو ننقدهم، فليقم بذلك النقاد وبمعايير أدبية وفنية لا بمعايير دينية لأنه بالمعايير الدينية، ما كان يجرؤ شاعر ككعب بن زهير أن يبدأ قصيدته فى مدح الرسول- صلى الله عليه وسلم– بالهجاء، بل ويهديه بردته، وما يجوز– بمقاييس دينية- أن تكون شخصية فى رواية أو فيلم كافرة أو تشرب الخمر أو تمارس الفجور أو أى محرم من محرمات الدين، فلو نظرنا إليها بمنظور دينى لتم منعها، ولكن المقاييس النقدية تنظر إلى هذه الشخصيات والأفعال التى تأتى بها بسؤال مفصلى: هل هذه الشخصيات والأعمال لها مقتضيات درامية أو فنية أو أدبية أم لا؟ وحتى الإجابة عن هذه الأسئلة لا تقتضى المنعن بل تقتضى الحكم الفنى فقط على هذه الأعمال.