سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير أمريكى يحذر من تحول مصر إلى باكستان .. التحول الديمقراطى فى مصر يواجه خطر استمرار الاضطرابات الشعبية وترنح الاقتصاد.. والعسكر حرصوا على الإبقاء على أكبر قدر ممكن من النظام القديم
حذر تقرير أمريكى جديد، من أن استمرار الأوضاع الراهنة فى مصر ربما يجعلها أقرب لنموذج باكستان، التى يسيطر فيها الجيش على الحكم دون الاستحواذ عليه بشكل تام، مما يؤدى إلى حكومة ضعيفة لا تستطيع القيام بمهامها. وانتقد التقرير المنشور فى فصلية واشنطن، وهى دورية ربع سنوية تصدر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أداء المجلس العسكرى، وقال إنه يمثل التهديد الأخطر للديمقراطية فى مصر فى ظل تلاعبه بالعملية السياسية وهندسته للانتخابات بشكل يحافظ به على مصالحه، ناهيك عن كونه سعى منذ البداية إلى الإبقاء على أكبر قدر ممكن من النظام القديم. وقال التقرير الذى جاء تحت عنوان "الانتقال المضطرب فى مصر: انتخابات بلا ديمقراطية" إنه مع انعقاد أول برلمان فى مصر بعد الثورة فى أواخر يناير 2012، فإن المرحلة الانتقالية المضطربة قد دخلت مرحلة جديدة، فمع انتقال المعركة على مستقبل مصر من ميدان التحرير إلى مجلس الشعب المنتخب، فإن المصريين ربما يواجهون التحدى الأكثر صعوبة على الإطلاق.. المجلس العسكرى الحاكم الآن فى مصر، وهو مشابه لهيئة الأركان المشتركة الأمريكية الموسعة، قد وضع خارطة طريق غامضة ومعقدة. ومع إجراء الانتخابات الرئاسية وصياغة الدستور الجديد قبل الأول من يوليو، فإن التحول الديمقراطى يواجه خطر تهديد مستمر يتمثل فى الاضطرابات الشعبية إلى جانب الاقتصاد الذى يترنح بشكل خطير وعلى وشك الانهيار. وحتى الآن، يتضح بشكل متزايد أن التهديد الأكثر شراسة للديمقراطية المصرية تأتى من المجلس العسكرى الحاكم نفسه، من خلال التلاعب فى العملية السياسية وتزايد القمع والرغبة فى البقاء فوق القانون. ويرى كاتب التقرير، خالد الجندى، الزميل الزائر بمؤسسة بروكنجز الأمريكية، إن الأحداث الأخيرة فى مصر قد أعادت تشكيل ميزان القوى الدقيق بين مراكزها الرئيسية الثلاثة فى البلاد وهم الجيش والإسلاميون ومن بدأوا ثورة يناير عام 2011. ففى حين أن المجلس العسكرى يبقى على احتكاره الظاهرى للسلطة، فإن شرعيته تآكلت إلى حد كبير بسبب سوء إدارته للمرحلة الانتقالية. والانتخابات الأخيرة منحت الإخوان المسلمين أكثرية برلمانية حاسمة تتحدى من خلالها الحكم العسكرى. أما عن شباب الثورة الذين قاموا بالثورة إلى جانب قوى الديمقراطية الأخرى فلا يزالون مهمشين من قبل قمع النظام والعملية السياسية التى تجاوزتهم. ورغم أن المصريين والمتابعين حسنو النية من الخارج لا يزالون يأملون فى أن الانتخابات الأخيرة ستفتح الطريق أمام انتقال أفضل وتسهل خروج الجيش من السلطة، إلا أن السياسات البرلمانية وحدها ربما لن تكون كافية لإصلاح الأضرار التى حدثت على مدار العام الماضى أو تهدئة الحماس الثورى المختمر تحت السطح. وفى حين أن نتائج الديمقراطية ربما لا تزال ممكنة على المدى الطويل، إلا أنها ستتطلب تغييرات كثيرة فى كيفية إتمام الانتقال ومن سيقوم به. ويصف معد التقرير مصر بعد مبارك بأنها مجموعة سريالية من المتناقضات والمفارقات. وكما قال أحد المدونين على تويتر مازحا فى فترة ما بعد الانتخابات، "لدينا حكومة مقالة تشرف على انتخابات لتشكيل برلمان بلا صلاحيات تابع لسلطة تحولت ضد شعب عازم على تحقيق نصر انتخابى بانتخاب هؤلاء الذين يقولون إن الديمقراطية حرام". فضلا عن ذلك، فإن التحول الديمقراطى فى مصر اتسم باثنين من الاتجاهات المتناقضة. فمن ناحية، الانعقاد الناجح لأول انتخابات حرة فى عقود كثيرة كان دليلا على المجال السياسى الذى اتسع بشدة فى مصر الجديدة بما فى ذلك انتشار الكثير من الأحزاب السياسية الجديدة وانتشار الثقافة الإعلامية، وحتى القوى المؤسسية كالإخوان المسلمين بدأت فى إجراء تحولات مع حدوث انقسامات فى الصفوف الفلسفية وبين الأجيال. لكن على الجانب الآخر، اتسمت المرحلة الانتقالية بتزايد عدم الاستقرار واستقطاب سياسى واجتماعى وصراع طائفى. هذه المتناقضات يمكن إرجاعها إلى تناقض أكثر جوهرية يكمن فى قلب الاضطراب فى مصر وهو حقيقة أن مؤسسة الجيش أحد أكثر المؤسسات سرية والعمود الفقرى للديكتاتورية على مدار ستة عقود تقريبا تتولى مسئولية قيادة الانتقال إلى الحكم الديمقراطى. وربما كانت المفارقة الصارخة للانتخابات والعنف الذى صاحبها تظهر كيف أن القليل فقط قد تغير بالفعل منذ تولى المجلس العسكرى. والتغيير الحقيقى الذى حدث هو فتح المجال السياسى وإجراء الانتخابات البرلمانية. لكن هذين الأمرين وحدهما دون إجراء إصلاحات أخرى قد فشل فى إرساء الاستقرار بل ربما جعل الأمور تتفاقم. ويتابع التقرير قائلاً: منذ البداية، كان المجلس العسكرى حريصا على الاحتفاظ بأكبر قدر من النظام القديم بقدر الإمكان بما فى ذلك أغلب الدستور القديم ومجلسا البرلمان الشعب والشورى الذين تم تعليقهما لكن لم يتم إلغاؤهما لعد الإطاحة بمبارك. والأهم من ذلك أن جهاز المخابرات الذى يعد أحد دعائم النظام العسكرى منذ الخمسينيات لا يزال سليما وكذلك الحال بالنسبة لقوات الأمن المركزى المكروهة المتورطة فى قتل المتظاهرين أثناء الثورة. وحتى محاكمات رموز السابق كانت تنازلات استجابة للضغوط الشعبية والاحتياجات المستمرة وليس على أساس المحاسبة. ويشير التقرير إلى أن الوضع الحالى لم يكن حتميا، بل نتج بمساعدة كبيرة من جميع الأطراف، وبينما كان صحيحا أن كلا من شباب الثورة والإسلاميين قد حاولوا الاستفادة بشكل أكبر منذ فبراير العام الماضى إلا أن المجلس العسكرى يتحمل الجزء الأكبر من اللوم. فهو لم يرفض فقط كل المقترحات لتقاسم السلطة مع حكومة مدنية، بل قام بقمع مشابه لقمع مبارك ضد المعارضين السياسيين هذا إلى جانب "المحاولات الوقحة"، للتلاعب بالبيئة السياسية والقانونية والتى كانت مصدرا مهما لعدم الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية. ويعتقد كاتب التقرير أن التركيز على ما يسمى بالسياسات الانتخابية قد أثر بشكل سيىء على المرحلة الانتقالية بعدة طرق.. فأولا وقبل كل شىء، منح هذا الأمر المجلس العسكرى حرية ظاهرية فى التلاعب بالعملية السياسية. وبينما لم تكن النتائج كما كان مخططا لها، إلا أن الجنرالات كانوا عازمين على هندسة العملية الانتخابية التى تضمن مصالحهم وتضمن هيمنتهم، وهذا أدى بالضرورة إلى مزيد من التهميش للجماعات التى كانت مغلوبة على أمرها سياسيا كالنساء والأقباط والشباب والعمال. كما أنه انتقص وبشدة من الإصلاحات المطلوبة بشدة فى المجالات الاقتصادية والأمنية والقضائية وغيرها إضافة إلى حالة الاستياء التى تراكمت على مدار العام الماضى. وهذا التحول المفاجئ من مجال عام غير مسيس إلى آخر مسيس للغاية كان له تأثير سلبى على استقرار البلاد على المدى القصير بما فى ذلك تعميق الخلافات الإيدولوجية القديمة بين القوى الإسلامية والعلمانية، وزادت بشكل حاد التوترات الطائفية وحتى العنف. وفى أثناء ذلك، يضيف التقرير، فإن الشلل الظاهرى فى الطبقة السياسية الثرية وغياب صناعة القرار على مدار العام الماضى كان مدمرا لاقتصاد البلاد بشكل خاص. والمفارقة أنه مع احتجاز المرحلة الانتقالية رهينة لظهور مؤسسات سياسية جديدة مثل البرلمان ودستور جديد، فإن المجلس العسكرى حرم نفسه من نفس الاستقرار الذى طالما سعى إليه وعمل على استمرار حركة الاحتجاج التى كان يريد تهدئتها. ومضى التقرير الأمريكى فى انتقاد المجلس العسكرى قائلاً: انتقاد المجلس العسكرى، وقال إن إصراره على إجراء الانتخابات البرلمانية أولا قد أدى إلى تفاقم التوتر فى مع الخصوم ومنع حدوث أى تقدم حقيقى من خلال إجراء إصلاحات أساسية وإدارة الأزمات وحتى تطوير رؤية للمستقبل السياسى. وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، قال التقرير إنه بينما تلوح المعركة حول الرئاسة والدستور الجديد فى الأفق، فإن النصف الأول من العام الجارى سيكون وقتا مهما لكل الجماعات ولكن ليس أكثر من الإخوان المسلمين، فهم من سيحددون ما إذا كان البرلمان والعملية السياسية الجديدة الناجمة عنه سيكون لهما القدرة على التغلب على المشكلات المرتبطة بالمرحلة الأولى من الانتقال وسوء تعامل المجلس العسكرى معها. وهنا، تثار العديد من التساؤلات المهمة: منها هل يستطيع البرلمان الذى يقوده الإخوان أن يحقق ما يشبه الإجماع الوطنى الجديد ليشمل أيضا الجماعات التى ربما لا تكون ممثلة جيدا فى مجلس الشعب أو تم استئصالها من العملية السياسية. هل تستطيع البدء فى مواجهة بعض المشكلات التى تفاقمت العام الماضى والتى تعلق بالاقتصاد والحالة الأمنية. وبالنسبة للمجلس العسكرى، فلا يزال يمسك بتوزان القوى رغم أن انتصار الإسلاميين قد حد من ذلك إلى حد ما. ولا يزال الجيش يمتلك بعض الأوراق التى يمكنه أن يلعب بها ضد الإخوان المسلمين وضد أى تحالف برلمانى يمكن أن تقوده. فالمجلس العسكرى يمتلك القدرة على إعاقة تشريع برلمانى على افتراض أنه سيسمح للبرلمان بإصدار تشريع بشكل مستمر إلى جانب قدرته على إصدار مراسيم أحادية الجانب. والوقت ليس فى صالح المجلس العسكرى حتى ولو قرر مد بقائه لما بعد يوليو2012، وهو الأمر الذى لا يزال يمثل احتمالا. وقد فقد المجلس بالفعل ثقة عدد من الجهات كالشباب الأقباط وقطاعات كبيرة من النخب السياسية والمجتمع المدنى، وبقائه فى المشه، خاصة إذا استمر فى العمل بنفس اليد الثقيلة التى أظهرها خلال العام الماضى، فإن هذا لن يؤدى إلا إلى الإسراع فى الدعوات المطالبة برحيله. باختصار، كلما طال بقاء المجلس العسكرى كلما قلت شعبيته، وكلما زاد تعرضه لضوء الشمس كلما طرحت عليه المزيد من التساؤلات. وفى الختام، قال التقرير إن مصر ربما ينتهى بها الحال إلى أقل شبها بتركيا وأكثر شبها بباكستان حيث يرفض الجيش فيها الاستيلاء على السلطة تماما بما يؤدى إلى حكومة ضعيفة لا تستطيع القيام بمهامها. وحتى الآن يبدو واضحا أن المجلس العسكرى ليس لديه الرغبة أو القدرة على الإشراف على انتقال ديمقراطى حقيقى. فالانتخابات رغم إيجابيتها إلا أنه لن تؤدى وحدها إلى استقرار مصر فى المرحلة الانتقالية وربما تزداد الأمور سوءا بتزايد الانقسامات السياسية والاجتماعية.