شروط الالتحاق بأقسام آداب القاهرة للطلاب المستجدين 2025 (انتساب موجه)    الدوري المصري.. وادي دجلة 0-0 بتروجيت.. الجونة 0-0 غزل المحلة    إنريكي يضع شرطا لتعاقد باريس سان جيرمان مع صفقات جديدة    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    "بيقارنوا بلاعيبة الدوري المصري".. تعليق ناري من خالد الغندور على جائزة صلاح الجديدة    محافظ الغربية: ملف المخلفات على رأس أولويات تحسين جودة الحياة للمواطنين    الرئيس السيسى ورئيس وزراء اليونان يشددان على ضرورة البدء الفورى فى إعادة إعمار غزة عقب وقف إطلاق النار    المنشاوي يهنئ طلاب جامعة أسيوط بحصد 9 جوائز في مهرجان الطرب للموسيقى والغناء    تنسيق الشهادات المعادلة 2025.. خطوات تسجيل الطالب بياناته ورغباته    نقيب الأشراف يلتقي رئيس مجلس القضاء الأعلى لتقديم التهنئة بتوليه منصبه    وسام أبو علي: مقتنع بخطوة اللعب في كولومبوس.. والأمر كان صعبًا بسبب الأهلي    قبل نهاية فترة الانتقالات.. مانشستر يونايتد يخطط لبيع خمسة لاعبين    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سيدة تلقي بنفسها أمام السيارات في الشرقية    محافظ الشرقية يزور مصابي حادث انهيار عقار الزقازيق.. صور    غدر الذكاء الاصطناعى    جولة لوزير الآثار بالمتحف اليوناني الروماني وقلعة قايتباي    تعرف على آخر مستجدات الحالة الصحية للفنانة أنغام    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    صورة- عمرو دياب مع منة القيعي وزوجها على البحر    ارتفاع طفيف للدولار أمام الجنيه اليوم الأربعاء 20/8/2025    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة لقرية التقدم بالقنطرة شرق    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    إيران تدرس إرسال وفد إلى فيينا لاستئناف المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    النائب محمد أبو النصر: رفض إسرائيل مبادرة وقف إطلاق النار يكشف نواياها الخبيثة    وزير الصحة يتفقد مستشفى الشروق ويوجه بدعم الكوادر الطبية وتطوير الخدمات    وكيل تعليم الغربية: خطة لنشر الوعي بنظام البكالوريا المصرية ومقارنته بالثانوية العامة    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    البيئة تناقش آليات تعزيز صمود المجتمعات الريفية أمام التغيرات المناخية بقنا    مدحت العدل ينعى يحيى عزمي: "واحد من حراس الفن الحقيقي"    البرديسي: السياسة الإسرائيلية تتعمد المماطلة في الرد على مقترح هدنة غزة    النائب علاء عابد: المقترح «المصري–القطري» يتضمن بنود إنسانية    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    مدبولي لقادة الدول: حان الوقت لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لردع العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    محافظ الإسماعيلية يتفقد عددا من القطاعات الخدمية ويستمع للمواطنين بمركز أمراض الكلى    تعرف على مواجهات الزمالك في دوري الكرة النسائية للموسم الجديد    بيع 11 محلًا تجاريًا ومخبز بلدي في مزاد علني بمدينة بدر    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    الليلة.. إيهاب توفيق يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان القلعة    حالة الطقس في الإمارات.. تقلبات جوية وسحب ركامية وأمطار رعدية    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    تفاصيل جراحة مروان حمدي مهاجم الإسماعيلي وموعد عودته للمشاركة    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    انطلاق القطار السادس للعودة الطوعية للسودانيين من محطة مصر (صور)    تحرك شاحنات القافلة ال19 من المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    إيزاك: النادي يعرف موقفي منذ فترة.. وعندما تكسر الوعود لا يمكن للعلاقة أن تستمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نرصد المحذوف من حوارات ومقالات «الأستاذ» عن المخلوع ى الجزء الثانى من «مبارك وزمانه» «هيكل» يتحدث عن أفضال مبارك على مصر
نشر في اليوم السابع يوم 29 - 03 - 2012

قد تكون لدى الأستاذ محمد حسنين هيكل وجهة نظر، فى عدم ضمه لحواراته الثلاثة التى أجراها مع جريدة أخبار اليوم بداية من 4 يناير 1986، إلى كتابه «مبارك وزمانه.. ماذا جرى لمصر وفيها».. الذى صدر فى صمت - يبدو مريبا - عن دار الشروق.
يمكن أن يقول لنا الأستاذ إن هذه الحوارات كانت على سبيل التقديم لعودته إلى الكتابة التى توقف عنها - مرغما أو مختارا - فى مصر منذ خروجه من الأهرام فى عام 1974.
وقد يقول إنها لم تتعرض للرئيس مبارك، ولكنها كانت بانوراما عن حياته وآرائه ومواقفه وعلاقته بكل من عبدالناصر والسادات، وأنها كانت محاولة لإفهام من سيقرأ لماذا عاد الرجل، محاولا التأكيد على مجموعة من الحقائق، ومنها أنه لم يترك مكانه فى الأهرام بأمر من الرئيس السادات معزولا أو مطرودا، وأنه طوال السنوات الإحدى عشرة التى انقطع فيها عن الكتابة لم تكن له حياة خارج مصر، وأن الملك حسين عرض عليه الإقامة فى الأردن، وأن وزير الدولة البريطانى عرض عليه الإقامة فى لندن، وأن وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر عرض عليه التوسط للصلح بينه وبين السادات، وأنه تلقى عرضا بإصدار صحيفة فى لندن أو باريس.. لكنه اعتذر عن كل ذلك.
ويمكن له أن يقول إن هذه الحوارات كانت فرصة يشرح فيها لقرائه لماذا يعاود الكتابة فى مصر، وليؤكد كذلك أنه لم يكن ممنوعا من الكتابة فى مصر فى أى يوم من الأيام، ربما تأكيدا منه أنه أكبر من أن يمنعه أحد من الكتابة، التى يعود إليها عندما يقرر ذلك.
لكن بعيدا عما يمكن أن يقوله الأستاذ، فقد جاءت عودته للكتابة فى صالح الرئيس مبارك، ففى نهاية الحلقة الأولى من الحوار، يشير إلى الخبر الذى نشرته «أخبار اليوم» الأخير - العدد الذى صدر فى 28 ديسمبر 1985 - وهو ما يمكن أن ننقله هنا نصا.
يقول الخبر: «نفى مصدر مسؤول ما نشرته مجلة (المجلة) السعودية عن صدور قرار سياسى بمنع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل من الكتابة نهائيا، بعدما زعمت المجلة عن ردود فعل سياسية عنيفة لخبر عودته للكتابة، ووصف المصدر، الذى كان يتحدث لمندوب وكالة أنباء الشرق الأوسط، هذا الخبر بأنه عار تماما من الصحة، وقال إنه لم يصدر أى قرار سياسى على الإطلاق فى هذا الخصوص، وأن موضوع كتابة الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل أو عدمها هى من حقه فقط، وأشار المصدر فى تصريحه إلى المناخ الديمقراطى الذى يسود مصر، وحق الكاتب فى التعبير عن رأيه دون أى قيود».
فى هذا الخبر رغم قصره وبساطته عدة إشارات لا يمكن لأحد أن يغفلها، فالمتحدث مصدر مصرى مسؤول، و«مسؤول» هذه لا يمكن أن تمنح لمصدر إلا إذا كان قريبا من مؤسسة الرئاسة، ثم أنه تحدث إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط التى هى الوكالة الرسمية للدولة وقريبة الصلة بكل ما يدور فى الرئاسة، ثم، وهذا هو المهم، أن المصدر أكد أن عودة هيكل للكتابة تأكيد على المناخ الديمقراطى الذى تعيشه مصر، وهو مناخ صاحبه وراعيه الرئيس مبارك شخصيا.
قد تكون لدى الكاتب الكبير مبررات كثيرة لعدم تضمين هذه الحوارات فى كتابه الجديد عن مبارك، لكن من حقنا أن نعرف ما الذى قاله هيكل عن مبارك فى الحلقة الثالثة تحديدا من الحوار، وهى الحلقة التى نشرت فى 18 يناير 1986.
قبل أن ينتهى الحوار بقليل قال هيكل لفريق «أخبار اليوم» الذى أجرى معه الحوار - «الفريق رأسه إبراهيم سعدة رئيس التحرير وكان مكونا من نبيل أباظة - ربيع الشيخ - محمد طنطاوى - كمال عبدالرؤوف - عبدالفتاح الديب - محمد تبارك - إبراهيم راشد - جلال عارف» - أخيرا سؤالكم عن «رأيى فى الجو الديمقراطى الذى تميز به عهد الرئيس مبارك ومنذ بداية توليه عهده؟».
ورغم أن السؤال كان موحيا بإجابته، إلا أن هيكل كان كريما جدا مع الرئيس مبارك، ورغم أنه كان متيقنا لمغزى سؤال فريق إبراهيم سعدة.. وهذا نص ما قاله هيكل فى إجابته:
يقول هيكل: «قبل أن أدخل فى صميم الإجابة عن هذا السؤال، فإنى أرجو أن يتسع صدركم لملاحظة تمهيدية، توحى بها لهجة السؤال فى حد ذاتها، أقصد صياغته إلى جانب ما تنطوى عليه هذه الصياغة من إيحاءات».
وإنصافا لكم فإن ملاحظتى هذه لا تنصب على صياغة سؤالكم وحده، وإنما هى تمتد فى رأيى لتشمل كثيرا مما نسمعه فى مصر سواء جاء على شكل أسئلة أو على شكل إجابات.
موضوع ملاحظتى أننى أحس فى كثير مما يقال فى مصر الآن - بالسؤال أو بالجواب - نبرتين لا تخطئهما أذن، كلتاهما مسموعة يصل إلينا طنينها وصداها باستمرار من وراء الكلمات.
يتحدث هيكل عن النبرة الأولى يقول: «النبرة الأولى تحمل مظنة تهنئة النفس، ربما كانت الكلمات لا تزجى التهئنة للنفس باللفظ الصريح، ولكنها تقوله بالإيحاء المبطن من داخل اللفظ، الإيحاء دائما فى اتجاهين متوازيين: أولهما أننا أحسن حالا مما كنا، وعلينا أن نحمد الله، والثانى أننا أحسن حالا من غيرنا وعلينا أن نشكر الله».
ويضيف الأستاذ: «ألسنا أحسن حالا مما كنا؟ ألم ننتقل من انغلاق إلى انفتاح، ومن ديكتاتورية إلى ديمقراطية، ومن حرب إلى سلام.. إلى آخره؟.. ولكن هذا الإيحاء بأننا أحسن حالا مما كنا يذهب إلى المبالغة فى تصوير الانغلاق الذى يتحدث عنه، فإذا البلد وكأنه كان معسكر اعتقال كبيرا، وإذا هو وكأنه كان فى عزلة كاملة عن العصر والعالم، وإذا هو وكأن حركة التطور والتغيير كانت فيه حبيسة قبو غائر تحت سطح الأرض بفراسخ لا يصل إليه هواء ولا أكسجين». ويخلص هيكل من حديثه عن النبرة الأولى إلى أنه بالتأكيد - وللإنصاف - فإن لدينا كثيرا فى مصر نحمد الله ونشكره عليه، ثم إن حمد الله وشكره واجب فى كل وقت وأوان، لكنى أظن - يقول هيكل - وبعض الظن قد يكون إثما كله، أن نبرة تهنئة النفس فى مصر لابد أن تخفف بعض الشىء من غلوائها.
ويأتى هيكل للنبرة الثانية، فيقول: «النبرة الثانية المسموعة أو المحسوسة فى مصر الآن بالإيحاء أيضا هى نبرة الاستشهاد بالآخرين لإثبات حسن سيرنا وسلوكنا، وبصراحة فإنى لا أظن أننا فى حاجة إلى جمع شهادات حسن السير والسلوك من الآخرين.. مثل ذلك لا نحتاج إليه لأنه قد يلهينا عن النظر فى أمورنا بصدق، وقد يصرفنا عن متابعة حياتنا فى جد، خصوصا إذا ترسبت الإيحاءات السارية وأصبحت قناعات راسخة».
يلتقط هيكل أنفاسه لينتقل إلى مضمون السؤال ذاته ليقول نصا: «لعلى أقول إننى أعطى للرئيس مبارك كثيرا من الفضل، ولكن علينا أن نحدد بالضبط موجبات الاعتراف بالفضل».
ويعدد هيكل أفضال مبارك - والكلام له فى الآتى:
لصالح مبارك أولا أنه أتى إلى الحكم فى لحظة مفعمة بالقلق وكان محتفظا بتوازنه.
ولصالح الرئيس مبارك ثانيا أنه قدم نفسه للناس بطريقة طبيعية وهادئة، فى حين أن المناخ السائد حوله فى ذلك الوقت كان استثنائيا وعصبيا.
ولصالح الرئيس مبارك ثالثا أنه دخل مكتبه ودرجة الحرارة فى مصر قرب درجة الغليان، فإذا هو يستطيع بجهد لا شك فى إخلاصه، تخفيض درجة الحرارة إلى درجة شبه عادية.
ولصالح الرئيس مبارك رابعا أنه لم يحاول اعتراض طريق التطور الطبيعى لحركة القوى الاجتماعية فى مصر بطريقة خشنة أو عنيفة.
ولصالح الرئيس مبارك خامسا أنه مارس مهنته بالحذر المهنى المكتسب من تجربته الطويلة السابقة على دخوله معترك السياسة، ومن هنا كانت الأولوية التى أعطاها لعنصر السلامة والأمان، وكان مثل ذلك الحذر ضروريا فى الظروف التى تحمل بها أعباء مسؤوليته.
ومن الأفضال التى عددها هيكل لمبارك، إلى حديث عن الديمقراطية التى اعتبرها مسألة تستحق مناقشة أعمق، يقول هيكل عن ذلك: «لابد أن أسلم أمامكم وأمام الناس أن هناك أصواتا متعددة ومختلفة تسمع وبوضوح فى أرجاء مصر، وتعدد الأصوات واختلافها ظاهرة صحية فى حد ذاتها، لكن ذلك لم يكن من صنع الرئيس مبارك، وإنما هى طبائع الأحوال، ذلك أنه عندما تتعدد المصالح فى أى بلد من البلدان، فإن ذلك يستوجب تعدد التعبيرات السياسية عن هذه المصالح، ومن ثم تعدد الأصوات، لا يمكن فصل ما يجرى فى الاقتصاد عما يجرى فى السياسة، وإذا لم يكن هناك نوع من الارتباط فإن الاحتكاك واقع والارتطام محتمل.. تلك قواعد اللعبة ولا يستطيع أحد الخروج عنها».
انتقل هيكل فى حواره إلى مسألة أخرى وهى السؤال عن تعدد التعبيرات والأصوات، وهل هو الديمقراطية بالتأكيد؟.. ويقول: «إن تعدد التعبيرات والأصوات علامة من علامات الديمقراطية، ولكنه ليس فى ظنى دليلا كافيا على قيامها، إننى أطرح تصورى عليكم، فالديمقراطية فى ظنى هدف وطنى أو قومى، تشارك فى وضعه وتحديده كل القوى صاحبة المصلحة فى الوطن أو الأمة بالحوار، وتباشر تحقيقه بنفسها وبمؤسساتها، وتتابع تحقيقه بواسطة ممثليها المنتخبين، ورأيها العام الذى يجب أن تتوافر له إمكانيات المعرفة والحرية».
ويجد هيكل نفسه على استعداد للقول إنه بدون هدف وطنى ومقبول ومحدد، فإنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية، بل إن فكرة الوطنية ذاتها - فضلا على الديمقراطية - تفقد أهم قواعدها، فالوطن ليس مجرد أرض، ولا هو مجرد بيت، وإنما هو مشروع تاريخى مشترك، بدون المشروع التاريخى المشترك تنفك رابطة الشعب ويتبعثر وجوده.
وبغير القبول العام - كما يرى هيكل - بالمشروع التاريخى وتجديده دائما فى كل مرحلة من مراحل النمو، بحيث يتسق وينسجم مع الحقائق المستجدة فى العصر وفى العالم، تنحل وحدة الشعب وتتصادم مصالح جماعاته وأفراده، وليست هناك وسيلة مأمونة لتحديد أهداف المشروع التاريخى للشعب فى كل مرحلة غير وسيلة الحوار المبرأ من كل شبهة كبت أو ضغط، ولا يمكن أن يكون الحوار الحر كلاما، وإنما هو مسؤولية تنشئ قرارا أو ترسم إطاره.
يصف هيكل ما جرى فى عصر مبارك بأنه فى حد ذاته صحى، لكنه يقول: «لكن الذى أتردد فيه هو وصف ما نراه باسم الديمقراطية، وبالمعنى الحقيقى للكلمة، أصواتا ولكن بغير نغم، وحركة، ولكنها بغير هدف جماعى، وكلاما كثيرا لكنه ليس حوارا، وإذا كان حوارا فهو أشبه ما يكون بحوار الطرشان كما يقول إخواننا فى لبنان أى يتكلمون ولا علاقة لما يقوله أحدهم بالآخر، والسؤال بينهم ليس له جواب، والجواب ليس بسؤال، وهم لا يسكتون.. وهكذا، وهذا تفسير ما نراه فى حياتنا السياسية فى هذه الأيام، حكايات من الماضى، وثأرات قديمة، وفتن مثيرة عما يجرى هنا وهناك، ودعايات وحملات، وفى أحسن الأحوال شعارات وأمان حلوة، لكننا يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا: ما الموضوع بالضبط وما القضية؟».
يصل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إلى هدفه ومقصده من كل ما يقوله، يقول: «والحقيقة أن مناقشة جدية حول هذه المسائل لا يمكن أن تبدأ إلا مع الرئيس مبارك نفسه، فقد كان هو الذى تلقى تفويض الشعب شرعيا فى ظرف خطير، وكان هو - وهذه شهادة له - الذى تولى علاج عملية الحمى، ونجح فى تخفيض درجة حرارتها، وكان فى صالحه أن الظروف أعفته من حجج الثورية وذرائعها، كما أعفته أيضا من أثقال الحرب وتكاليفها، وهكذا كان فى وسعه أن يواجه الموضوع والقضية بوسيلة أو وسائل طبيعية».
ويستدرك هيكل قائلا: «لكن عقدتنا فى بعض الأحيان أننا لا نستطيع أن نتحاور مع رؤسائنا، وإنما نحن نرفع إليهم أو نتلقى منهم، والواقع أن ذلك لم يعد ممكنا خصوصا فى غياب حجج الثورية وذرائعها، وأثقال الحرب وتكاليفها كما قلت».
هيكل كان مصرا على أن يصيغ رسالته بشكل أدق لتكون أسرع فى الوصول، يقول: «الرئيس مبارك هو المسؤول بحكم الشرعية، ثم هو المسؤول أيضا بحكم الواقع الذى يجعل مؤسسة الرئاسة - كما هو حالها فى كل بلدان العالم الثالث - مؤسسة الدولة الأولى وربما الوحيدة، بل إنه من قبيل تضييع الوقت أن نتحاور مع غيره، فالآخرون كلهم رجاله واختياره، ولم يجلس واحد منهم على كرسيه إلا بإشارة منه، بل إن العهد كله عهده، وكذلك الحال فى كل بلد يعتمد على النظام الرئاسى حتى فى النظام المتقدم».
يوضح هيكل وجهة نظره أكثر، يقول: «إنهم فى العالم المتقدم فى أمريكا مثلا يتحدثون عن إدارة كيندى أو نيكسون أو ريجان، وهم فى فرنسا يتحدثون عن ديجول أو بومبيدو أو ديستان وأخيرا ميتران، وهنا فى مصر فنحن نتحدث عن نظام عبدالناصر، ونظام السادات، ورغم أن كل هؤلاء، فى غير مصر وفى مصر، كان لهم رؤساء الوزراء والوزراء ورؤساء المجالس والمؤسسات، فإن المسؤولية يتحملها واحد، وهى تلتصق باسمه وليس باسم غيره، والرئيس مبارك يتقدم الآن إلى الجزء الثانى من رئاسته الأولى، وأظنه يتقدم إلى رئاسة ثانية يسمح له بها الدستور، وقد يكون مفيدا أن ندخل مدة رئاسته الثانية وقد تحولت المزيكا التى نسمعها الآن إلى فن حقيقى وخلق وإبداع».
يلح هيكل على ما يريده من مبارك شخصيا، يقول: «وهكذا فإنه قد يبدو مفيدا أن نستغل الفترة الباقية من رئاسته الأولى فى حوار حقيقى معه، تمهيدا لحوار حقيقى يدور على مستوى الشعب كله، بأجزائه وتنظمياته وقواه، حتى نستطيع أن نعرف على الأقل من نحن؟.. وماذا نريد؟.. وما الذى يجمعنا غير مشروع وطنى واحد؟.. وكيف نحققه؟.. ولمن؟.. ساعتها ستتسق وتنسجم الأصوات، ويسمع صوت الحوار، ويكون الحوار هو منشئ القرار، ويحق لنا أن نقول: نعم هى الديمقراطية».
كان الجزء الأكبر من الحلقة الثالثة من الحوار عبارة عن رسائل للرئيس مبارك، أراد هيكل أن يلتقطها الرجل الكبير فى مصر، لكن يبدو أن هذا لم يحدث، لكن السؤال الذى يظل معلقا هو: لماذا لم يضم الأستاذ ما قاله عن مبارك وأفضاله فى كتابه الوثائقى الذى يتركه علامة على عصر كان جزءا منه.. بل جزءا مؤثرا حتى وهو بعيد عن السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.