منذ السابع من أكتوبر الماضى، أصبح كل شىء فى قطاع غزة مختلفا، بعد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلى العديد من المذابح والمجازر فى حق أهلنا فى قطاع غزة، حيث وصل عدد الشهداء جراء القصف الإسرائيلى للمدنيين منذ السابع من أكتوبر الماضى حتى إعلان الهدنة الإنسانية إلى أكثر من 15000 شهيد، بينهم أكثر من 5500 طفل، وارتكب خلالها الاحتلال الصهيونى العديد من المجاز والمذابح التى نسفت عائلات بشكل كامل من سجلات القيد الفلسطينية فى غزة، ومحو مناطق سكنية كاملة وتغير معالمها من على الخريطة، نهيك عن الاعتداء على المستشفيات وقصفها، وقتل واعتقال الكوادر الطبية والصحفيين، وارتكاب جرائم الاعتداء على بيوت الله من مساجد وكنائس داخل القطاع. كل شىء فى غزة مختلف، صمود أصحاب الأرض وتصديهم لمخططات التهجير من المحتل رغم الحصار والقتل والتدمير والتجويع، يتمسك الفلسطينى بالعيش على أنقاض بيته المدمر من طائرات الاحتلال، وصمود المقاومة أمام أعتى الجيوش من حيث العتاد والعدة، التى تمارس أعمال البلطجة والإرهاب ضد المدنيين، بينما تكبدها المقاومة الفلسطينية العديد من الخسائر فى الجنود والدبابات والآليات العسكرية، بإمكانيات وصناعة محلية، وتحقق إنجازات يوما بعد يوم، بينما لم يحقق جيش الاحتلال هدفا واحدا من الأهداف التى أعلن عنها نتنياهو قبل العملية البرية فى غزة، لتجبره المقاومة على هدنة لتبادل الأسرى.
وداع الآباء والأمهات الفلسطينيين فى غزة لأبنائهم، ووداع الأبناء للآباء والأمهات وأخواتهم أيضا فى غزة مختلف، ولَم نر مِثْله مِن قَبْل، أب خمسينى يودع ابنته التى تبلغ من العمر قرابة الخمس سنوات، يحملها بين ذراعيه بوجه مبتسم يتحدث إليها كأنها لم تستشهد وتقف أمامه يداعبها ويفتح عينيها ويقبلها، ويتحدث لمن حوله أنها تأتى إليه فى الصباح والظهيرة، تطلب منه بعض الأشياء ليحضرها لها، ويعود ليعانقها بقوة ويقول "هذى روح الروح، هذى صغيرة"، ويأبى هذا الأب أن يكفن روح الروح فى ثوبها الأبيض لتذهب إلى مثواها الأخير، شعرت بلوعة الفراق الذى يشعر بها هذا الرجل وشعرت بدموعه التى لم تخرج من عينيه بل نزفت من قلبه الدماء وهو يحتضن صغيرته فى الوداع الأخير، وأعتقد والله أعلم أن الذى يقف بين الرجل وملاقاة صغيرته فى الجنة سوى الموت.
مشهد وداع الزميل الصحفى وائل الدحدوح، المؤثر ل نجله برفقة والدته وأخته وحفيد العائلة متحدثا إليه باكيا "سلم على الجميع يا بابا، بينتقموا مننا فى الأولاد"، وغيرها من المشاهد العديدة التى جعلتنى أقول داخلى يا الله !! كيف لهؤلاء يحملون قلوبا بكل هذه الصلابة؟!، وأنا هنا فى مأمن وينتابنى شىء من القلق والخوف على أطفالى، لم أستطع أن أتمالك نفسى ودموعى من البكاء، وربما هذا الشعور يشعر به كل أب وأم، لينتقل إلينا أجواء من التوتر يُخيّم عليها الوساوس والقلق والخوف من أن يتعرض أولادنا لتلك الأحداث، أدركت وقتها أن هؤلاء وغيرهم رزق الله قلوبهم الطمأنينة، والسكينة، والصمود، لتحيا فلسطين.. لتحيا فلسطين.