تحول مقال الكاتب الكبير محمود عوض «أحلام فوق عجلات.. وتحتها» إلى منشور سرى يوزعه العاملون بشركة «النصر للسيارات» فيما بينهم داخل العنابر بعيدا عن أعين مسئولى الشركة، فقد كان المقال بمثابة طلقة الحبر التى أحدثت دويا هائلا داخل جنبات شركة عمرها 50 عاما، إيذانا ببدء الكشف عن العديد من المخالفات الصارخة التى منعها اتساع رقعة الشركة (230 فدانا) من الخروج إلى النور، فجاء مقال عوض ليتكفل بهذا الدور. بمجرد قراءة العاملين بشركة «النصر للسيارات» مقال الأستاذ محمود عوض المنشور فى الصفحة الأخيرة ب «اليوم السابع» كشف 250 عاملاً بالشركة عن أولى المخالفات التى ارتكبتها الإدارة معهم، فقد أجبرهم رئيس الشركة على تأجيل معاشهم المبكر إلى 28 «يونية» دون إبداء أسباب، رغم أنهم تقدموا بطلب المعاش المبكر مع 2000 عامل، أخرجتهم الشركة فى ديسمبر الماضى، والغريب أن الإدارة أجبرت مجموعة ال250 على توقيع «استمارة خروج من الشركة» مع بقية زملائهم الخارجين على المعاش المبكر «حتى تهددهم بإخراجها فى حالة التذمر من بقائهم فى الشركة لمدة 6 أشهر مقبلة».. لكن مصدراً داخل الشركة اعترف ل «اليوم السابع» بأن الإدارة أقدمت على تلك الخطوة لأنها تحتاج بشدة لهؤلاء العمال فى تجميع آخر دفعة سيارات «شاهين» تقوم الشركة بإنتاجها فى يونيو القادم، وهو ما دفع الشركة إلى مخالفة قانون العمل الذى لا يوجد فيه ما يسمى ب «تأجيل المعاش المبكر»، مضيفا أن الإدارة أقدمت على مخالفة أكبر وهى إعادة العاملين الذين خرجوا على المعاش المبكر فى 28/12 إلى العمل بعقود مؤقتة فى اليوم التالى لخروجهم حتى تستطيع الوفاء بآخر طلبية سيارات شاهين تنتجها «النصر» للسيارات. إعلان بأحد جدران الشركة كتب عليه «سعر السيارة الشاهين 61 ألف جنيه» دفع العاملين بالشركة إلى التساؤل «كيف يريدون بيع الشركة بحجة أنها خاسرة رغم أنها ستربح فى نهاية العام المالى الحالى 50 مليوناً حصيلة بيع دفعة الشاهين، بجانب أرباحها من مدرسة تعليم القيادة وصيانة السيارات وقطاع الصيانة بغمرة؟».. كلام العمال أكده حجم المكالمات التليفونية التى انهالت أثناء حديثهم على قسم الاستقبال تطلب حجز سيارة شاهين، ومع كل مكالمة كان موظف الاستقبال يردد قائلاً: «عفوا قائمة الانتظار ليس بها مكان شاغر»، إذن كيف انهارت الشركة التى مازالت تحقق أرباحاً حتى الآن؟ فتش عن الإدارة، فبرغم علمها المسبق بانتهاء عقد تجميع «شاهين» خلال سنوات قليلة بعد إغلاق المصنع التركى، الذى كانت الشركة تستورد مكوناتها منه، فإن إدارة الشركة لم تتحرك للبحث عن عقد تجميع سيارة بديلة، وهو ما يعنى من وجهة نظر المهندس عمر الدرينى رئيس لجنة سياسات التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة وجود نية مبيتة لدى إدارة الشركة لبيعها، وهو نفس الرأى الذى ذهب إليه العاملون بالشركة، لكن صلاح الحضرى، رئيس رابطة الصناعات المغذية للسيارات، وأحد أعضاء إدارة الشركة فى وقت سابق، يرفض اتهام القائمين على الشركة بالتخطيط لبيعها قائلاً: «لم تكن نية البيع هى التى تسيطر عليهم، وإنما هم تقاعسوا فى البحث عن عقد بديل انتظارا لعطايا وزارة الاستثمار أو الشركة القابضة، وهو ما لم يحدث مطلقا». الماكينات العملاقة بعنابر 7،6،5 بقطاع إنتاج الشركة بوادى حوف دفعتنا إلى سؤال المختصين حول حقيقة إمكانات الشركة، جاء الرد سريعا من عادل جزارين، رئيس الشركة السابق: «الشركة مازالت تملك كل المقومات اللازمة لتجميع سيارة مثلها مثل أى مصنع خاص، كما أن بها عنابر ضخمة ويكفى أنها الشركة الوحيدة التى تصنع المحرك فى العالم العربى».. العنابر التى تحدث عنها جزارين بدت مهجورة ويغطى ماكيناتها التراب ويعلوها الصدأ« وهى الآن فى طريقها للبيع بالمزاد العلنى لإحدى شركات القطاع الخاص بأسعار زهيدة، رغم أنها ماكينات ألمانية يمكن أن تعمل بكامل قوتها حتى الآن، حسب كبير الملاحظين بالشركة، الذى رفض الكشف عن اسمه. بيع الماكينات وتسريح العاملين وما يتردد من أنباء عن بيع أرض الشركة.. كلها خطوات يراها العاملون بالشركة جزءا من مخطط الرئيس الحالى للشركة، أحمد عبدالغفار إسماعيل، لإغلاقها وتقديمها على طبق من ذهب لمستثمر استراتيجى، أحمد عبد الغفار اشتهر بأن الدولة تستخدمه لبيع شركات القطاع العام، وله سابقة سيئة مع شركة إيديال التى بيعت للقطاع الخاص بسعر التراب، لكن عبد الغفار يدفع عن نفسه تلك الاتهامات، فهو يقول فى كل مناسبة «أنا مجرد مدير للشركة أما مسائل البيع والشراء فهى فى أيدى الشركة القابضة ود. محمود محيى الدين». كل الطرق تؤدى الآن إلى بيع الشركة لمستثمر استراتيجى، فكما يقول صلاح الحضرى، رئيس رابطة الصناعات المغذية للسيارات:« بيعها بالكامل هو الحل الوحيد لإعادة تشغيل هذا الكيان من جديد»، فى هذه الحالة يرى الحضرى أن الدولة هى المستفيدة لأنها ستحصل على أموال ضرائب وتأمينات إلى جانب قيام المستثمر بتشغيل أعداد كبيرة من الأيدى العاملة بمرتبات أفضل من مرتبات القطاع العام.. نفس الرأى أيده الدرينى بقوله: «لا يجب أن تعيقنا النظرة الاجتماعية للعاملين من بيع الشركة للاستفادة على الأقل بتشغيل عدد كبير من العمال بها». لكن هل يمكن أن تحدث معجزة وتقوم الحكومة بتمرير خطة إنقاذ عاجلة للشركة على غرار ما قامت به الحكومة الأمريكية مع شركتى «كرايسلر» و«جنرال موتورز» من أجل إنقاذهما من الانهيار؟ يرد عمر الدرينى: » احتمال مستبعد ولا يجب أن ننظر إلى ما حدث فى أمريكا على أنه قد يتكرر فى مصر فشركة «النصر» للسيارات منهارة لن تجدى معها محاولات الدولة لإنعاشها». «اليوم السابع» علمت أن إدارة الشركة أصدرت تعليمات سرية للأمن بمنع العاملين من الدخول إلى أماكن عملهم، بحجة أن رئيس الشركة منحهم إجازة، وذلك خوفا من اعتصام العاملين داخل المقرات الرئيسية بوادى حوف وغمرة.