تتعدد أوجه الصراعات وشكلها فى منطقة الشرق الأوسط، فمع احتدام الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، يدور صراع آخر بعيدا عن الأنظار، وهو الصراع بين مصر وسوريا. وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية فى عددها الصادر اليوم، الأربعاء، إن الخبراء يرون أن كلاً من مصر وسوريا تقوم باستغلال المباحثات مع حماس فى نضالهما الخاص حول تحديد مركز القيادة فى منطقة الشرق الأوسط. ويقول نديم شحادة، محلل شئون الشرق الأوسط فى "شاتهام هاوس"، إن هناك "حرباً عربية باردة" ناشبة بين مصر وسوريا لإثبات أيهما تستطيع التفوق على الأخرى فى نهاية المطاف فيما يتعلق بإدارة الأزمة المتفاقمة فى غزة. فالفريق المصرى يؤيده حلفاء الولاياتالمتحدة الآخرين والمتمثلين فى الأردن والمملكة العربية السعودية، بينما يقف إلى جانب سوريا كل من قطر واليمن والجزائر، وبالطبع حليفتها السياسية (غير العربية) إيران، والتى تدعم الحركة الإسلامية حماس ومقاتلى حزب الله الشيعة فى لبنان. ويضيف شحادة أن مصر طالما لعبت دور الوسيط والمفاوض بين حماس والغرب، ولكن على ما يبدو "يحاول السوريون انتزاع الدور القيادى من مصر". وسيكون لهذا الصراع تداعيات وآثار عالمية خطيرة إذا تحولت قوة مصر الاستراتيجية إلى دمشق، وذلك لأن "ميزان القوة سيتغير بشكل جذرى فى المنطقة إذا فقدت مصر دورها". وقد قادت مصر مباحثات مكثفة استغرقت أكثر من أسبوع مع مبعوثى حماس من قطاع غزة، ومع زعماء الحركة الإسلامية المنفيين فى سوريا، ولكن لا توجد حتى الآن مؤشرات تفيد بنجاح هذه المباحثات. وقد رأت مصر والغرب أن الطريقة المثلى التى يجب أن تنتهجها فلسطين بعد الإذعان إلى اتفاقية وقف إطلاق النار للمضى قدماً بإحلال الاستقرار والسلام مرة أخرى على أرضها، هى المصالحة بين حماس وبين خصمتها العلمانية فتح فى الضفة الغربية، تحت قيادة الرئيس الفلسطينى محمود عباس. ولكنه من الصعب تصور كيفية التوفيق بين حماس وفتح بعد أن قامت الأولى بطرد الثانية من قطاع غزة بالقوة فى يونيو 2007. وفى الوقت الذى أشارت فيه تقارير الصحف المصرية إلى الصعوبات البالغة التى تفرض نفسها على طاولة المفاوضات مع حماس، قام الرئيس حسنى مبارك أمس الثلاثاء بالسفر إلى المملكة العربية السعودية مصطحباً معه رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان من أجل عقد مباحثات عاجلة مع الملك عبد الله للتوصل إلى حلول سريعة لحقن دماء الغزاويين المتدفقة. ومع هذا، ترفض كل من الدولتين عروض قطر –التى تؤيد حماس- لعقد قمة طارئة لمباحثة أوضاع غزة، والتى ستساهم بالطبع فى إظهار الصدع والانقسام العربى. ومن ناحية أخرى، نفى محمد نزال، مسئول فى المكتب السياسى لحماس، بشدة احتمال أن حماس ربما تعانى من انقسام بين قيادتها "العملية" التى تحكم الآن فى غزة وبين المتشددين فى دمشق. وقال نزال إن هذه التقارير تهدف إلى "إثارة البلبلة" حول موقف حماس، وقام بشجبها قائلاً إنها جزء من أساليب إسرائيل فى "حربها النفسية" ضد حماس. وعلى الرغم من ذلك، أظهر مفاوضو حماس استعداداً لقبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار خلال الاجتماع فى القاهرة الأسبوع المنصرم، ولكن الأوضاع تغيرت عندما عادوا إلى دمشق، وذلك لأن رئيس البرلمان الإيرانى على لاريجانى، ظهر فى الصورة، حينها لم تجد المقترحات المصرية من قيادة حماس، المتمركزة فى دمشق، سوى آذان صماء. ووجه بعض الخبراء انتقادات لاذعة للطريقة التى عالجت بها مصر المباحثات بكونها "الوسيط". وكذلك كان موقف حسنى مبارك تجاه حماس عدائياً منذ بدء العدوان على غزة، بل كان موقفه عدائياً ضد حماس منذ البداية وذلك لانبثاقها من جماعة الإخوان المسلمين، المعارضة فى مصر. وقد أخبر مبارك مجموعة وزراء الخارجية الأوروبيين فى القاهرة الأسبوع الماضى، أن حماس "لا يجب أن يسمح لها بالخروج من القتال منتصرة". وقال أليستر كروك، مدير منتدى الصراعات، ومقره بيروت، إن "مبارك يبغض الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية، وهذه ليست طريقة جيدة للتواصل، ولن يفلح الأمر دون التواصل". ويعتقد بروك، أن الغرب قد سجن نفسه بالتزامه الصارم بمبادئ اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، تلك المبادئ التى تدعو إلى اعتراف حماس بدولة إسرائيل، ووضع نهاية لموجات العنف، واحترام كل الاتفاقيات السابقة قبل بدء المباحثات لوقف إطلاق النار بين طرفى النزاع. يقول الدبلوماسيون الغربيون إنه من غير المحتمل أن تقوم اللجنة الرباعية والتى تتكون من الاتحاد الأوروبى، والولاياتالمتحدةالأمريكية، والأمم المتحدة، وروسيا بتغيير معاييرها السابقة، حتى مع تولى الإدارة الأمريكيةالجديدة لمقاليد الحكم بقيادة باراك أوباما. وعلى الرغم من ذلك، فإن تأييد حماس ودعمها يزداد بمرور الوقت، وذلك لأن حماس تتحدث الآن باسم جميع الفلسطينيين "حماس هى محور فلسطين الذى لا يمكن الوصول إلى اتفاقية وقف إطلاق النار دونه. وإذا فشلت مصر فى دورها، فإن العواقب ستكون وخيمة".