قفزة جديدة في أسعار العملات الأجنبية بالبنوك المصرية اليوم الجمعة 13 يونيو 2025    سعرها انخفض..أسعار الفراخ البيضاء اليوم الجمعة 13-6-2025 في الدقهلية    الطاقة الذرية الإيرانية: لحسن الحظ معظم الأضرار في مفاعل "نظنز" سطحية    المرور يضبط 51 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    إخماد حريق في مول بمنطقة حدائق أكتوبر    الكرملين: ندين التصعيد الخطير بين إسرائيل وإيران    النادي المصري ينعى نجمه وقائده الأسبق الكابتن سمير الغزناوي    برنامج تدريبي عن مبادئ وأساسيات «الإتيكيت المهني» للعاملين بالمتحف المصري الكبير    رئيس وزراء باكستان يعزي أسر ضحايا تحطم الطائرة الهندية    تحذيرات هامة لطلاب الثانوية العامة.. أخطاء شائعة في الإجابة على الأسئلة يجب تجنبها    طقس اليوم الجمعة| ذروة الموجة الحارة.. وتحذيرات من الأرصاد    ضبط صاحب مخبز بالمحلة الكبرى استولى على 16 جوال دقيق مدعم وباعها بالسوق السوداء    الحج السياحي في مرآة التقييم ..بين النجاح وضيق المساحات.. شركات السياحة تطالب بآليات جديدة لحجز مواقع الحجاج بالمشاعر المقدسة .. دعوات بعودة التعاقد الفردي مع المطوفين    رئيس البيت الفني للمسرح يفتتح أولى ليالي «الفندق» بأوبرا ملك.. صور    "happy birthday" يحقق إنجازًا مصريًا ويحصد 3 جوائز من مهرجان تريبيكا    الأحد.. ثقافة الفيوم تقيم ورشة مجانية لتعليم كتابة القصة    إخلاء سبيل والدي عروسي الشرقية في واقعة زواج قاصر من مصاب بمتلازمة داون    سلوى محمد علي تكشف صعوبة أول يوم تصوير في «فات الميعاد»| خاص    بث مباشر| شعائر صلاة الجمعة من مسجد «الجامع الأزهر الشريف»    مطلوب في ليفربول.. باريس سان جيرمان يغلق باب الرحيل أمام باركولا    قطار الموت يدهس شابين بقنا.. أحلام "ولاد العم" انتهت في لحظة    مالك سيراميكا كليوباترا: الأهلي لو طلب عيني أقدمها له.. وأتمنى توسيع دائرة المنافسة    وكيل الأوقاف ببني سويف يوجه بضبط استخدام مكبرات الصوت لعدم إزعاج المواطنين    الموجة 26.. استرداد 41 فدانًا من أراضي الدولة غرب الإسكندرية- صور    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بالمواعيد.. جدول مباريات الترجي في كأس العالم للأندية 2025    ماهر الكنزاري: الترجي لا يخشى شيئا في كأس العالم للأندية    طريقة عمل كباب الحلة بمكونات بسيطة ومذاق لا يقاوم    تحرير 137 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق    أسعار السمك اليوم الجمعة 13-6-2025 في الدقهلية    ميناء دمياط يستقبل 5 أوناش رصيف عملاقة من أوناش «STS»    رسالة سلام من الباليه الوطني الروسي للعالم بالأوبرا    "المستشفيات التعليمية": تقديم 2 مليون خدمة علاجية في الوحدات التابعة خلال 5 أشهر    ارتفاع أسعار الحديد وانخفاض الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    من صمت الصخور إلى دموع الزوار.. جبل أحد يحكي قصة الإسلام الأولى    بعد استهداف إيران.. رئيس الأركان الإسرائيلي: «كل من يحاول تحدينا سيدفع ثمنا باهظا»    محمد هاني: "لم يخطر على بالي انضمام زيزو إلى الأهلي"    مستعدون لأي تضحية.. بيان من الاتحاد الإيراني لكرة القدم بشأن هجوم إسرائيل    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    وزارة الطيران: المجال الجوي المصرى آمن ويعمل بشكل طبيعي    كوكا: "الفترة الماضية كانت صعبة.. واللعب بدلًا من معلول تحدٍ كبير"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 13-6-2025 في محافظة قنا    في ختام رحلة الوفاء.. أسر الشهداء يغادرون المدينة المنورة بقلوب ممتنة    بعد مقتله.. من هو الجنرال غلام علي رشيد نائب رئيس الأركان الإيراني؟    جعفر: الفوز بكأس مصر كان مهم قبل بداية الموسم المقبل    عملية شعب كالأسد.. الجيش الإسرائيلي ينفذ هجوما استباقيا لضرب المشروع النووي الإيراني    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو التحرش بالأطفال في بورسعيد    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    «سهل أعمل لقطات والناس تحبني».. رد ناري من محمد هاني على منتقديه    "مستقبل وطن المنيا" ينفذ معسكرا للخدمة العامة والتشجير بمطاي    الاستماع لشكاوى المواطنين بقرى بئر العبد بشأن انتظام وصول المياه    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يؤكد على دور الإعلام الحيوي في دعم المنظومة الصحية    100% ل 3 طلاب.. إعلان أوائل الابتدائية الأزهرية بأسيوط    3 أيام متتالية.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    تعرف على برامج الدراسة بجامعة السويس الأهلية    دينا عبد الكريم تلتقي بالسفير حبشي استعدادًا لجولة كبرى لبناء قواعد للجبهة الوطنية من المصريين بالخارج    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    تعامل بحذر وحكمة فهناك حدود جديدة.. حظ برج الدلو اليوم 13 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدّمات الثورة على الإخوان.. كشف حساب 30 يونيو ومسؤولية استعادة وحدة الصف
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 06 - 2023

على قدر الحماسة التى غلّفت المشهد السياسى بعد يناير 2011؛ كانت الصدمة حادة جرّاء سلوك الإخوان فى الثورة والسلطة والحركة داخل الفضاء العام. حصيلة ممارساتهم وضعت البلد بكامله أمام أفق مُغلق واحتمالات تُفضى كلها إلى مآلات سوداء.
الآن ونحن على بُعد 10 سنوات من المشهد، قد نختلف فى قراءة المرحلة وتفاصيلها وما أدت إليه من تداعيات؛ لكننا نتفق على أن «30 يونيو» كانت ضرورة واجبة بالمنطق والنظرة الموضوعية، توفّرت لها ظروف وإشارات جعلتها المخرج الوحيد من الأزمة المُمسكة بخناق مصر ومستقبلها، وما يمكن أن تصير إليه حال التراخى فى المواجهة. لم يترك التنظيم خيارًا لجموع المصريين إلا الثورة عليه، وإطاحته خارج الساحة تمامًا.

قد يردّ البعض مُقدّمات 30 يونيو إلى مشهد «مرسى» الهزلى فى التحرير، أو قراره بإعادة مجلس الشعب متحدّيًا المحكمة الدستورية، والانفراد بالسلطة والحكومة وحركة المحافظين، وصولاً إلى الإعلان الدستورى وممارسة عنف مفتوح ضد خصوم الجماعة فى الشوارع والميادين؛ والحقيقة أن كل تلك المشاهد أقرب إلى نتائج لا أسباب، بينما المُؤشّرات الحقيقية التى كانت تقطع بضرورة الوصول إلى الثورة سابقة على كل ذلك، أغلبها قائم فى تاريخ الجماعة وأدبيّاتها ومُمارساتها العدائية «فوق الوطنية» طوال ثمانية عقود، وأحدثها تحقّق فى نمط الانتهازية قبل يناير 2011 وبعدها، وفى التدليس والدعائية الفجّة خلال استفتاء مارس، وأخطرها كانت مُحاولة إلهاء القوى السياسية عن الانتخابات البرلمانية من أجل اقتناص أغلبية خداعية، غرضها الحقيقى تمهيد مسار الاستئثار بالحكم وإقصاء الجميع من دون استثناء.

عندما كان الإخوان يهتفون للملك فاروق قبل سبعة عقود من 2011 لم يكونوا مُخلصين فعلاً للقصر أو راضين عن سلوكه أو يرونه خليفة للمُسلمين، وعندما انخرطوا مُتأخّرين فى تظاهرات يناير وهتفوا ضد النظام لم يكونوا على خلاف عميق معه أو مُؤمنين بحركة الشارع؛ حتى أن مرشدهم محمد بديع قال فى حوار قبل أسابيع قليلة إنهم لا يُعارضون توريث الحُكم، ورفضوا فى الاجتماعات التحضيرية إعلان مُشاركتهم صراحة أو إقرار الهتاف ضد رأس النظام. الأمر فى الحالتين لا يتجاوز المناورة وقياس توازنات المشهد ومكاسب الجماعة من مناصرة فريق أمام آخر. تحالفوا مع الملك ضد الوفد، ثم مع الوفد ضد الملك، ومع أحزاب الأقليات ضد الطرفين، ثم مع حركة الضباط الأحرار حينما توهّموا أنها طريقهم السهل للسلطة، وانقلبوا عليها وحاولوا اغتيال «عبدالناصر»، وهو الفشل الذى استفادوا منه لاحقًا فتقرّبوا من السادات ثم قتلوه حينما واتتهم الفرصة، وبالمثل لعبوا مع نظام مبارك ثم قفزوا من القطار عندما تأكّدوا أنه ذاهب إلى المجهول. فى كل المحطّات تلعب الجماعة بانتهازية خالصة، وإن كانت القوى السياسية بعد يناير تناست ذلك، فإن مُقدّمات يونيو بدأت من هذا التاريخ الانتهازى الطويل.

كانت كل تحالفات الإخوان على مدار تاريخهم تبحث عن موطئ قدم فى الواجهة. حسن البنا تطلّع لتمويلات الإنجليز والفرنسيين بقدر نهمه لتبرعات المصريين الفقراء وأموال الزكاة والصدقات، وكان مُنفتحًا على الاحتلال والقصر بدرجة جاهزيّته للتعاون مع «هتلر» بوساطة أمين الحسينى، ووضع عينيه على سُلطة مصر كما وضعها فى اليمن وشبه الجزيرة ونطاقات أخرى بإطلاقه 18 شعبة فى الخارج. أحفاده لم ينحرفوا عن مساره المنحرف؛ فاستثمروا أموال النقابات والتبرّعات وجهود الإغاثة كما يفعلون مع اشتراكات الأعضاء وثروات التنظيم، وأداروا مشهدهم فى القاهرة بإخلاص عميق لفروعهم حول العالم، ولعبوا مع الأمريكيين وخصومهم من السُّنّة والشِّيعة بالقدر نفسه من التزلُّف وادّعاء الطهر والإخلاص. المُحصّلة أن التنظيم فقدَ بوصلته مع تعدّد اهتماماته ودوائر مصالحه ومراكز التأثير فى قراراته، ولم يعد فصيلاً مصريًّا يُمكن الاشتباك معه على أرضية وطنية، مهما كانت رقعة اختلافاتها؛ إنما كان أقرب إلى شركة مُتعدّدة الجنسيّات تُضمر أجندات عدّة، مُتوافقة فى القليل ومُتناقضة غالبًا، ولا تتقدّم مصر على لائحة أولويّاتها إلا من ناحية أنها مركز ثِقَل الإقليم، والرافعة التى يُمكن أن تحمل بقية مشاريع الجماعة وشركائها الخارجيّين. فى واقع الأمر لم يكن الخلاف على صيغة الحُكم؛ إنما على رَهن الدولة ونظامها وقُدراتها لصالح مُخطّط عابر للحدود، يبدأ منها؛ لكنه ينتهى إلى تصفيتها وإلحاقها بمشروع يحمل هندسة مُغايرة للمنطقة بالكامل.

لم يكن التنظيم وحلفاؤه يتوقعون بطبيعة الحال أن تلقى تلك التوجّهات قبولاً سهلاً من المصريين؛ سواء الشارع ونُخب السياسة أو القلب الصلب من أبنية الدولة ومؤسَّساتها. اتجهت الرؤية إلى التسرُّب الناعم فى دواليب السلطة والعمل على تغييرها من الداخل، وكان مُنتظَرًا أن يصبروا لحين إنضاج الاختراق وامتلاك شروطه الموضوعية؛ لكن الارتفاع المُتدرّج لمنسوب الرفض الشعبى، ومقاومة المؤسَّسات لبرنامج الأخونة، واستفاقة القوى السياسية على فداحة المشهد وما يُراد دفع الأمور إليه، حفّزت المُمسكين بخيوط التنظيم من الداخل والخارج على التعجيل بإنفاذ المُخطّط، وتوافق ذلك مع نهمٍ دفين لدى الجماعة للهيمنة وابتلاع المجال العام؛ فكان أن انكشفت نواياها غير المُعلنة على نحو سافر وصادم. كان الصبر وحُسن النيّة قائمين حتى استقبل الإخوان قادة ميليشيات وعناصر استخبارات، ونسّقوا مع مُتطرّفين ورؤوس إرهاب وأفرجوا عن مئات المنتمين إليهم من السجون، ولم يعد الحديث عن بناء ميليشيات وجيش موازٍ من الشائعات، هنا سقطت كل الافتراضات البيضاء، وبدا الموقف وقحًا فى المُجاهرة باختطاف الدولة ووضعها تحت وصاية السلاح، الذى صار يتمدّد فى الداخل أو وقف يُلوّح للمصريين من الخارج. عند تلك المحطّة كان ضروريًّا وضع نقطة صريحة فى آخر الجملة الإخوانية، من دون رمادية أو إبطاء.

كانت ضمانة الجماعة الدائمة فى استثمار حالة التناقض وصراع التيارات. سعت قديمًا إلى النفاذ من شقوق علاقة الوفد بالملك وأحزاب الأقلية، وكرّرت لعبتها باستغلال بعض الضبّاط المُنتمين إليها وقتما نشب خلاف أيديولوجى بين قادة يوليو، ويمكن تتبُّع المسار على استقامته فى تبدُّل تحالفاتها منذ الثمانينيات بين الليبراليين والاشتراكيين والقوميين. كان المناخ فى 2011 مُحاطًا بالتنازع والانقسامات، وهى حالة مثالية يُجيدون اللعب عليها بتعميق الشقاق وإحراز المنافع. بدءًا من «ائتلاف شباب الثورة»، ثم ما أسموه «التحالف الديمقراطى»، وتفتيت انتخابات الرئاسة بخمسة مُرشّحين تابعين لهم بالأصالة أو الوكالة، ثم «مؤتمر فيرمونت» وما لحقه من صيغة «المُحلّل الشرعى» بتشكيل هيئة استشارية صورية للرئيس، نجحت الجماعة بفضل أدوات الخداع المتتابعة فى النفاذ بكامل خطّتها، مستفيدة من شِقاق القوى السياسية وغياب التوافق على موقف وطنى جامع. لم يكن هناك ما يُهدّد التنظيم ومُشغّليه أكثر من فكرة التقاء التيارات المتنازعة على أرضية واحدة، وقد عملوا جاهدين على دفع تلك الاحتمالية خارج الصورة تمامًا، ونجحوا فى هدفهم إلى أن أخذ الشارع زمام المبادرة وباشر قيادته عبر حركة «تمرّد» والتفاف الجمهور الحاشد حولها؛ ليلتحق السياسيون بالمسار الناشئ؛ خيارًا وحيدًا لا بديل عنه لترميم الصدوع التى أحدثها الإخوان واستغلّوها. هنا فقدت الجماعة لأوّل مرة قدرة اللعب على التناقضات، ولم يعد بمقدورها شقّ الصف؛ حتى مع إحراق مقرّات «تمرّد» ومطاردة وتهديد أعضائها.

بالوصول إلى محطة الإعلان الدستورى، نوفمبر 2012، بات واضحًا أن لا رغبة لدى الجماعة فى التوافق، ولا مجال للتعايش معها. حرق التنظيم كل أوراقه خلال خمسة أشهر فى السُّلطة، ولم يعد السؤال دائرًا عن نقطة الالتقاء المُحتملة؛ إنما عن المدى المُتبقّى قبل أن يُحرق الدولة بكاملها فى المُقامرة التى دخلها ودفع الجميع إليها. كلّ ما تلا ذلك كان بحثًا عن ترشيد فاتورة الخسائر الوطنية جرّاء استمرار الإخوان فى لعبتهم، وعدم امتلاك خصومهم السياسيين أوراقًا بديلة، يُمكن أن تكبح الحليف الذى سهّلوا وصوله للحُكم بالعجز أو السلبية أو الرهانات الرومانسية الساذجة. كانت الجماعة تعلم أنها حرقت المناوئين شعبيًّا، وادّعت وكالتها عن الشارع تحت لافتة الصناديق، وفى ذلك كانت تطمئن إلى قدرة خريطة انتشارها الواسعة على تحجيم أثر الغضب، وتعطيل فرص ترجمته لتحرُّكات فعلية على الأرض، بينما تعجز الأحزاب ووجهاء السياسة عن تحريك الجموع ضدها. كان الحل فى هَبّة شعبية مُباشرة، ورأت الجماعة أنها مُستحيلةٌ انطلاقًا ممّا زرعته فى المجتمع من استقطاب، ومن إيمانها باستمرار جاذبية الخطابية الدينية وقدرتها على تثبيت العوام؛ لهذا كانت المفاجأة صادمةً ومُربكة عندما نجح شباب عاديّون فى استثارة جمهور عريض، وترجموا ذلك إلى زخم ثورى انتزع واجهة الساحة من الجميع. فى الحقيقة كان المشهد إيذانًا بانتهاء الوصاية المعنوية القديمة على المشهد، سواء الإخوان أو الوجوه التقليدية من الزعامات الحزبية وقادة المعارضة.
التحاق القوى الحزبية بالشارع كان ضروريًّا لاستكمال «الحالة الإجماعية»، وإضفاء المشروعية السياسية على جماهيرية 30 يونيو؛ لكنه لا يعنى أنهم قادة المرحلة أو ما يزالون مُحتفظين بمراكزهم المعنوية السابقة. ما حدث كان بمثابة تفكيك وتركيب لتوازنات القوى ومُعادلة الفعل فيها على وجهٍ مُفارق للمعتاد، يتطلَّب حال قراءته بوعى أن يتسلّم السياسيون رسالة الشارع للإخوان باعتبارها تخصُّهم أيضًا بدرجة ما، وأن يعيدوا النظر فى مواقعهم، ومُدوّناتهم الأيديولوجية، وفلسفة تيّاراتهم وحدود حركتها فى الفضاء العام، وكل هذا لم يحدث لا قبل الثورة ولا بعدها. كان «تحالف 30 يونيو» بنسيجه الواسع مدخلاً صالحًا لإعادة بناء الحالة السياسية، فى إطار ديناميكية لا تضع الأفكار المُعلّبة والبرامج الحزبيّة المُتكلّسة فوق شواغل الناس، أو بعيدًا من أولوياتهم الحقيقية. صحيحٌ أنه لا يُمكن مقارنة أى فصيل سياسى وطنى بجماعة الإخوان وانحطاط أفكارها ومُمارساتها؛ إنما بعض القصور فى رؤاها قد يتشابه فى كثير أو قليل مع آخرين، من ناحية أنها انفصلت عن الشارع مُكتفيةً بالمحاضن التنظيمية، ومارست تعاليًا فجًّا على مُكوّنات المشهد، وأدارت علاقتها مع الدولة بمنطق الصدام لا التفاعل، وكلها نقاط قصور ما تزال حاكمة لكثير من التيارات، بعد 10 سنوات من الثورة التى كانت تُوجب عليها جميعًا التحرّر من سجن رؤاها القديمة ومدارات حركتها المُستهلكة.

عيد «30 يونيو» العاشر ليس مُناسبةً للاحتفال فقط؛ إنما يُتيح مساحةً لجرد الحساب وفضيلة مُراجعة النفس، وإذا كان التحالف العريض ما يزال مُحافظًا على موقفه الجذرى تجاه التنظيم؛ فإنه مدعوّ أكثر من أى وقت مضى إلى التآلف والعمل معًا. يفتح «الحوار الوطنى» مجالاً عريضًا لتلك الغاية، وتقع التزامات أخرى على عاتق كل فصيل: من ناحية قراءة موقعه فى المجال العام، وترميم البيت وعلاج القصور. لسنا فى وارد الحديث عن عودة «الإخوان» بأية صورة؛ لكن من الواجب التذكير بأنهم اخترقوا منصّة السياسة وتغلغلوا سابقًا تحت جناح التناقض والشِّقاق، وليس أهمّ فى إحياء حالة الثورة وأثرها الإنقاذى المُلهم من العودة إلى وحدة الصف، والقفز على نقاط التنازع؛ حتى يكتمل بهاء «30 يونيو» وتُحافظ على بريقها مُضيئًا، فاعلاً ومتجدّدًا فى الزمان والمكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.