(كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    صرف 2 مليون جنيه دعم للعمالة غير المنتظمة| حصاد «العمل» خلال أسبوع    وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تصدر حصادها الأسبوعي لأنشطة وفعاليات الوزارة    الخط الأصفر.. هل يتحول إلى جدار برلين جديد؟    اليابان تفوز على جنوب إفريقيا بثلاثية وتتأهل لدور ال16 في كأس العالم للناشئين    موعد مباراة مصر والرأس الأخضر لتحديد المركز الثالث بكأس العين الدولية    الأهلي يتأهل لمواجهة الاتحاد في نهائي دوري المرتبط لكرة السلة    طقس مائل للبرودة وسقوط أمطارعلى هذه المناطق.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الأحد    الأرصاد: تحسن في الطقس وارتفاع طفيف بدرجات الحرارة نهاية الأسبوع    المتحف.. لقاء عبقرية المصرى القديم وإبداع المعاصر    استشاري أمراض صدرية تحسم الجدل حول انتشار الفيروس المخلوي بين طلاب المدارس    المنظمات الدولية والحقوقية: لا مخالفات جوهرية تؤثر على سلامة العملية الانتخابية    عاجل خبير أمريكي: واشنطن مطالَبة بوقف تمويل الأطراف المتورطة في إبادة الفاشر    ألبانيا ضد إنجلترا.. توماس توخيل يوضح موقفه من غضب اللاعبين    متحدث الأوقاف يكشف كواليس دولة التلاوة.. ويؤكد: نفخر بالتعاون مع المتحدة    من مقلب قمامة إلى أجمل حديقة.. مشاهد رائعة لحديقة الفسطاط بوسط القاهرة    تعديلات منتظرة في تشكيل شبيبة القبائل أمام الأهلي    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    الإسكان: غداً.. بدء تسليم 2045 قطعة أرض سكنية للمواطنين بمدينة العبور الجديدة    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    ذكرى اعتزال حسام حسن.. العميد الذي ترك بصمة لا تُنسى في الكرة المصرية    خبير أسري: الشك في الحياة الزوجية "حرام" ونابع من شخصية غير سوية    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    المصارعة تشارك ب 13 لاعب ولاعبة في دورة التضامن الإسلامي بالرياض    اليابان تحتج على تحذيرات السفر الصينية وتدعو إلى علاقات أكثر استقرارًا    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    تعرض الفنان هاني مهنى لوعكة صحية شديدة.. اعرف التفاصيل    جيراسي وهاري كين على رادار برشلونة لتعويض ليفاندوفيسكي    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    المجمع الطبى للقوات المسلحة بالمعادى يستضيف خبيرا عالميا فى جراحة وزراعة الكبد    أسامة ربيع: عبور سفن عملاقة من باب المندب لقناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذاكرة الحية والذاكرة الميتة
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 01 - 2023

ماذا يبقى للسينما أو منها؟ كان هذا هو السؤال الذي رافقني مؤخرًا أثناء رحلة بحثي عن أعمال ومعلومات تخص الفنان صلاح منصور، من أجل إعداد كتابه لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، احتفاءً بمئوية ميلاده وتكريم اسمه في الدورة المقبلة للمهرجان.. وفي الحقيقة إن هذا السؤال يلاحقني كظلي تقريبًا كلما شرعت في الكتابة سواء عن سيرة ذاتية، تحتاج التنقيب عن الشخصية ومن ثم الاعتماد على وثائق وصور وتسجيلات، يعني ما يستلزم التوغل في الماضي والأرشيف والتفاصيل المخبأة هنا وهناك، خصوصًا إذا كانت الشخصية لم تعد على قيد الحياة؛ ولا يوجد هناك أقارب أو أفراد لهم ارتباط بها، أو سواء الكتابة عن ظاهرة أو قضية فنية أو ثقافية تستوجب الحقائق والمعلومات، لتوثيق صائب وصوغ القصة بما يجعلها حيزًا للفهم والمعرفة والاطلاع.

السؤال ينبع من نقطة تستحق التوقف والالتفات إليها، وهي بإيجاز شديد تتعلق بفراغ ثقافي ومعلوماتي مهول، أو بالأحرى غياب الأرشيف القائم على أساس علمي يمكن للباحث الرجوع إليه والوثوق في محتوياته.. أرشيف يكون جزء رئيسيًا في ذاكرتنا الحية، بدلًا من الذاكرة الميتة المحتشدة إما بمعلومات مغلوطة وغير مؤكدة، تتداولها الكثير من المواقع الإليكترونية بمنتهى اليسر والسهولة، وتنقلها الأغلبية دون فحص وتقصي، فتنتشر كانتشار النار في الهشيم، وإما بأفول واندثار غير متدارك للمادة والمحتوى؛ بمعنى الخواء وندرة المادة والأخبار والصور المخزّنة، ما يضطر بسببها الباحث الحقيقي، غير المرتكن على الأمور السهلة، أن يلف ويدور سواحًا على كتب الأرصفة وسور الأزبكية، غير التجوال في مكتبته ومكتبات الزملاء والأصدقاء والأساتذة.. التجوال الذي من المفترض أن يكون خطوة في مشواره البحثي وليس كل المشوار.

لعل أرشيف المركز الكاثوليكي المصري للسينما من أهم الأرشيفات المتاحة لدينا، كمصدر موثوق فيه ويمكن الاعتماد عليه، فضلًا عن عراقته وامتلاكه لوثائق تاريخية وحديثة ومعاصرة، مرتبة بما يسهل على الباحث الحصول على مراده، ولعل مؤسسة دار الهلال تداركت الأمر في السنوات الأخيرة، فحاولت ترتيب أرشيفها وضبطه وتنقيحه والحفاظ على المتبقي منه، لكن ما زلنا في احتياج مُلح لمشروع استراتيجي مهم، لحفظ الإرث الفني والثقافي ونشر المعلومات والوثائق المتاحة والمدققة ورقيًا وإليكترونيًا عبر الأساليب المعاصرة، ويمكن خلاله الاستعانة من خلال عبر شبكة الإنترنت، لتكون مفيدة ومتاحة لأكبر عدد من الناس.

مشروع يُعيد ترتيب أجزاء من الصورة الفنية والثقافية، بما يليق بها وبالذاكرة التي تكاد أن تنمحي وتضيع بالإهمال، كما يكون أداة تواصل وانفتاح بين الماضي والحاضر وجسرًا للمستقبل، ومساهمة جادة في عملية تأسيس حقبة جديدة في تاريخ الثقافة، خطوة ضرورية ومطلوبة تُمكن أي باحث من الشروع في عمله، دون الوقوع في فخ الارتباكات والتباساتها المتنوعة، وعلى أساس هذه الخطوة الموزونة في جديتها ومسارها لا تجنح المعلومة إلى وهم أو سراب أو خطأ.

كل ما أخشاه أن يتحول المطلب الضروري إلى سؤال ساكن لا يتحرك قيد أنملة، مثلما حدث مع السؤال المتكرر على مدار أجيال، بضرورة إنشاء سينماتيك مصري بوجهيه: الحفظ والعرض، وهو ما لم يحدث حتى الآن!! .. لو عدت ثانية إلى كتابي عن الفنان صلاح منصور، صاحب المشوار الحافل مسرحيًا، إذاعيًا، تليفزيزنيًا، سينمائيًا، فقد عانيت مثلًا للوصول إلى الكثير من أعماله المسرحية أما أعماله الإذاعية فحدث ولا حرج، إنها تقريبًا مفقودة على الرغم من تعدادها وقيمتها الفنية، وكذلك من محاولات ماسبيرو زمان معالجة المتبقي والحفاظ عليه وإظهاره على شاشتها وموقعها الإليكتروني.

أجدني هنا أطرح نفس سؤال الناقد سمير فريد في واحد من مقالاته: ما هى أهمية أرشيف الأفلام السينمائية؟، في إطار الحديث عن ال"سينماتيك" الذي تنبه العالم إلى ضرورته، حسب رصد فريد في مقاله، فى منتصف الثلاثينيات من القرن الميلادى الماضى، بما يعنيه شكلًا ومضمونًا لحفظ الأفلام السينمائية كجزء من التراث القومى لأى بلد، وبالتالي أرشفة الأفلام وكل الوثائق المتعلقة بها، وإتاحتها للعرض لمن يريد من الهواة والباحثين، وبالطبع هذا غير ترميم الأفلام وهو أمر بقدر ما يحتاج أموال يحتاج أيضًا الكثير من الهِمة والعزيمة.

كما أشرت سالفًا أن طرح فكرة السينماتيك حدث بتعاقب الأجيال، قد يكون من منتصف الخمسينيات عندما سافر الأديب يحيي حقي رئيس مصلحة الفنون حينذاك، لحضور فعاليات مهرجان كان السينمائي والتقى مع هنري لانجلوا مؤسس السينماتيك الفرنسي، وشجعه على تأسيس أرشيف للسينما المصرية والمشاركة في المؤتمر الدولي للأرشيف السينمائي، وبالفعل شرع في محاولات أولى حين عهد إلى عبد الحميد سعيد بإنشاء السينماتيك، سافر على إثرها لواحد من رواد الثقافة السينمائية فريد المزاوي، لكي يمثل مصر في المؤتمر الدولي للأرشيف السينمائي في يوغسلافيا عام 1956.. لكن السينماتيك الأول احترق نتيجة التخزين الخاطيء في شقة من شقق وسط البلد.

المحاولة الثانية كانت بعد نحو العشر سنوات، تحديدًا فى العام 1968، حينما أوفدت وزارة الثقافة عبد الحميد سعيد تعلم أصول الحفاظ علي التراث السينمائي في سينماتيك برلين الشرقية، واحد من أهم أرشيفات السينما في العالم، وأعد بالفعل تقريرًا لإقامة أرشيف مماثل فى مصر، لكن التقرير وُضع فى الأدراج، كما وُضع من قبله تقرير مشابه لفريد المزاوى، وفي مرحلة لاحقة أعلن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى عن تأسيس أرشيف للسينما المصرية بالتنسيق مع فرنسا، لم ينفذ حتى الآن.

يظل بهذا التعاقب السينماتيك المصرى مجرد كىم على الورق وعلى الهواء مباشرة، دون خطوة تنفيذية حقيقية، خطوة ما أحوجنا إليها للحفاظ جزء مهم من ذاكرة الوطن، وابقائه حيًا كتاريخ منفتح على التطور الفكري والثقافي والفني والتقني، وإلا ماتت الذاكرة بتلف الأفلام نتيجة عدم العناية بها وضياع إرثنا المكتوب والمرئي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.