المسألة ليست ثورة أو سياسة، بل مسألة إنسانية بالأساس، قناعات لابد أن تسودنا، مبادئ وضعتها الأديان السماوية وزادت رقيا بقدم الإنسان على الأرض.. لذلك أرى إعانة الظالم على المظلوم نقص دين، والشماتة فى الضحية نقص أخلاق، وإهانة المختلفين نقص تربية، وترويج الأكاذيب نقص رجولة. بداية أتفق معك تماما فى أن ما يحدث أمام وزارة الداخلية الآن خطأ فادح، لكن هذا لا يعنى أن نتهم كل من يقف هناك بأنه عميل وخائن ومدفوع من الخارج، فالواقفون هناك – بعد كثير من الحوارات بينى وبينهم – مصريون أصلاء، شباب راغب فى مصلحة بلاده فعلا، يرى أن تطهير الداخلية لن يتم إلا بالقوة، لأن هناك من يعارضه أيضا بالقوة، يرى أن دماء شهداءه فى بورسعيد ستضيع هدرا كمن سبقوهم، يرى أن حال مصر لن ينصلح بالمليونيات والمسيرات وإقامة المنصات. هذا رأيهم وهذه طريقة تعبيرهم عنه، اختلف معهم كما شئت، طالب بإعمال القانون فى مواجهتهم، لكن لا ترميهم بالخيانة العظمى ولا تطلب من الجيش مواجهتهم بالرصاص الحى.. هذا فجر فى الخصومة نهت عنه الأديان وجرمته القوانين ويصيب الإنسانية بالغثيان. لا تفترض يا صديقى أنك تملك الحقيقة المطلقة، وأن مخالفيك دوما على الباطل، لأن دماء 48 شهيدا فى شارع محمد محمود مهدت الطريق لنقل السلطة وأجبرت المجلس العسكرى على تحديد موعد رحيله، ومنع إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية، وإقالة حكومة عصام شرف الضعيفة، فهل تذكر ما قاله قطاع كبير من المصريين على ثوار محمد محمود فى حينها؟ قالوا عليهم عملاء ومخربون وراغبون فى هدم الدولة وإحراق الداخلية، ثم يسألون الآن "هما اللى فى التحرير عايزين إيه ما هو المجلس ماشى فى شهر يونيو؟" وينسون أن مخربى محمد محمود من جاءوا لهم بهذا المكسب. لا أحد يمتلك صكوك الوطنية ليخوّن من يشاء، ولا يمتلك ختم الثورة فيخص به من يشاء، البعض يرى أن المجلس العسكرى فاشل ومقصر ومتواطئ، والبعض يراه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، البعض لا يعجبه ما يحدث فى محيط الداخلية، والبعض يعتبره حادثة طبيعية فى ظل الحالة الثورية الحالية، يضايق البعض احتراق غرفة فى مصلحة الضرائب، ويراه الآخرون ليس أعز من قطرة دماء تسيل من ثائر شريف. أتفق معك تماما فى أنه يجب استخدام العقل فى هذه المواقف، لكن من هنا ونحن أمام جهاز الكمبيوتر، أطالبك فقط بالنزول إلى شارع محمد محمود للفصل بين المتصارعين، وأعدك أنك مع أول استنشاق للغاز المسيل للدموع ستصوب حجرا على من ألقاها. المشكلة أننا نعيش وسط 85 مليون نبى، يعتقد كل منهم أنه معصوم من الخطأ لا ينطق عن الهوى، أزمتنا أننا أسقطنا ديكتاتورية وخلقنا بأيدينا الاثنين.. ديكتاتورية الكنبة وديكتاتورية التحرير.