عاد أحمد حرارة من ألمانيا وبات مؤكدا أنه سيعيش سنوات عمره بلا بصر، فقد حرارة إحدى عينيه فى أيام الثورة الأولى، وكان ذلك يكفيه لكى يعيش مستريحا ببطولته فقد أدى دوره وضحى بعينه، لكنه لم يصمت وشارك فى أحداث شارع محمد محمود وفقد عينه الثانيه.. هو أحد الثوار الحقيقيين. قبل 25 يناير كانت السبل ميسرة أمامه كطبيب ليعيش حياة هادئة وناعمة، يعيش لنفسه ومع نفسه، بغض النظر عن العمر والشأن العام، كما فعل كثيرون منذ نهاية السبعينيات، وتحديدا مع إجهاض ثورة 18 و19 يناير 1977 وما تلاها من أحداث، حيث تم ضرب الحلم العام لدى المصريين وظهرت الأحلام والمشاريع الخاصة، كل فرد يعمل لنفسه. ويجب القول إنه كانت هناك محاولات وأفكار تدفع نحو الحلم العام أو ما سمى الحلم القومى والوطن، لكن لم يقدر لهذه المحاولات أن تنجح وأن تتحول إلى تيار عام حتى ظهرت جماعات وحركات تعمل على ذلك، فى مقدمتها حركة كفاية سنة 2004، حتى وصلنا إلى 25 يناير 2011. كان الملاحظ فى شباب 25 يناير أو معظمهم أنهم بالمعيار الفردى والخاص كانوا ناجحين ومتحققين، لديهم أعمال ووظائف يقومون بها، ولها عائد مادى مريح والمستقبل مفتوح أمامهم، وكان الطبيب الشاب أحمد حرارة واحداً من هؤلاء لكن الحلم العام كان غالبا لديهم، الحلم بأن تعيش مصر فى حرية وديمقراطية وأن تتحقق العدالة بين مواطنيها. يذكرنا أحمد حرارة بالبطل المصرى محمد مهران، الذى فقد عينيه فى أثناء العدوان الثلاثى على مصر، مهران ابن بورسعيد اختطفه الإنجليز وذهبوا به إلى قبرص حيث خلعوا عينيه، متصورين أنه بذلك سوف يكون عبرة لكل المصريين، وكرمته مصر بأن التقاه الرئيس عبدالناصر وعينه موفدا بالمتحف الحربى فى بورسعيد وخصص له جنديا يقوده فى ذهابه إلى المتحف وعودته منه. القياس مع الفارق، فى 25 يناير لم نكن نواجه العدوان الثلاثى ولا الاستعمار الأوروبى، كنا نواجه الاستعمار المحلى ممثلا فى قوى الطغيان والاستبداد والفساد، وظل أبطال مصر وثوارها يقاومون ويصرون على مواصلة الثورة والنجاح بها والانتقال بمصر إلى مستقبل أفضل، يليق بها وبمواطنيها. الآن أصبح أحمد حرارة بلا عينين، ومن الواجب أن يتم تكريمه والاحتفاء به، وهذا متروك للجهات المسؤولة فى الدولة، لأن تكريم هذا البطل يعنى اعترافا بالبطولة وبالتضحية واعترافا أيضاً بالثورة وبالثوار. وأظن أن أول التكريم الذى يستحقه حرارة من وزارة الصحة، باعتباره طبيبا، لكن التكريم السياسى يجب أن يأتى من أعلى سلطة فى مصر، أعنى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتحديدا المشير طنطاوى، بأن يكون أحمد حرارة أحد العشرة الذين يتم تعيينهم فى مجلس الشعب، حيث يمكن أن يؤدى دورا برلمانيا هائلا سواء فى مراقبة الأداء الحكومى أو التشريع، ثم ألا يمكن تقديم أوسمة خاصة لهذا البطل وغيره من الأبطال ؟والقانون فى مصر يسمح بذلك، هناك أوسمة للبطولة وللتضحية وللبذل.