قبل أن ندخل إلى مفهوم الثورة الثقافية التى تكاد تقتحم حياتنا الآن، حيث تتجلى رياحها للجميع خاصة بعد ثورة شعبية جارفة أطاحت بنظام مستبد، أغفل العقول والطاقات لسنوات عديدة وبات يحاصرها فقط فى البحث عن توفير القوت اليومى دون التفات لبناء حقيقى، فمفهوم الثورة الثقافية التى تعرفها الانسيكلوبيديا هو: فترة من القلاقل مرت بها الصين. فى 16 مايو 1966، دشن الزعيم الصينى ماو تسى تونغ ثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى. حذر ماوتسى تونغ آنذاك من أن من أسماهم بممثلى البورجوازية قد اخترقوا الحزب الشيوعى، وأنه سيعمل على اجتثاثهم. وكان إعلانا مزّق المجتمع الصينى. دعا الرئيس ماو الشباب بعد الإعلان عن ثورته الثقافية أن يقوموا بالانقلاب على الزعامة الشيوعية فى البلاد. واستجاب لدعوته ألوف الشباب الذين عُرفوا فيما بعد باسم الحرس الأحمر. وغرقت الصين فى الفوضى التى راح ضحيتها مئات الألوف، وجرى تعذيب الملايين، وتخريب جانب كبير من تراث الصين الثقافى. وبنهاية عام 1968 كانت الثورة الثقافية قد جعلت الصين على شفا حرب أهلية. نحن المصريون لا نرجو بل ولا نرى هذا الأفق المتشائم الذى خلفته الصين، غير أننا ونحن نقف على هذا الأثر التاريخى وما هو ببعيد عنا نتحسس ملامحه من وقع الحوارات على صفحات الفيس بووك، وبرامج (التوك شو)، الساخنة التى تهيج المجتمع تارة وتحاول أن تهدأ من توتره تارة أخرى. إن حاجتنا إلى الثورة الثقافية ليست بمثل حاجة الصين إليها فى مطلع الستينات، لا نريدها عفا الله عنا أن تنقلب إلى فوضى غرقى بالدماء، لكنها تلك الحاجة الايجابية التى تفعل آفاق العلوم والمعارف فى كل مناحى حياتنا، فنسعى إلى هضم وفهم ما تعنيه المصطلحات التى تتردد على أسماعنا ليل.. نهار.. بداية من معنى: الدستور إلى معنى القانون، إلى معنى الأمن، إلى معنى الشورى فى الإسلام إلى مفهومه عند الغرب من ديمقراطية، وتباين الأفكار ثم تبلورها على شكل أحزاب ولا نكتفى أن يتعرف إلى كل هذا شباب الجامعات أو المرحلة الثانوية، بل تتجاوز إلى أن يحفظها الطفل فى الحضانة، ومن بعده المراهق، ويعيشها أيضا الأمى ويفهمها. هذا الأفق البسيط من المعرفة والعلوم، لابد وأن يتناقله رجل الشارع العادى حتى مراتب رجل الجامعة والعلم فى معامل البحث...! المعرفة التى ستغير النمط الأخلاقى والسلوكى، فيعرف جندى الشرطة كيف يعامل المجرم، والهارب من العدالة؟ لا يلجأ إلى قسوة أو عنف الثورة الثقافية التى يزينها الخلق الحسن المبنى على الدين والإيمان والمعرفة والوعى، ومن هنا كان اختيارنا للإسلام السياسى. لماذا؟ لأنه بهذه الثورة المعرفية الأخلاقية تحديدا سينمو المجتمع، ويحل قيوده وينطلق، فالكثير منا لا يزال لا يعرف معنى أن يحترم الدستور والقانون، معنى أن يقدر الآخر، لا يعرف معنى لابد وأن يكون شارعه والحى الذى يسكنه نظيفا، فإن رفعنا قدر عامل الزبالة بداية من الملبس إلى الأجر الكريم، بالتأكيد سنعثر على مجتمع أكثر أمنا، وأن ترسخ فى أذهاننا وأنفسنا أن المرور واحترامه سيحقق أمنا، سنحقق معه المجتمع المرغوب، الثورة الثقافية التى نعنيها وعى يضرب جذوره داخلنا جميعا وخلق كريم نحافظ عليه، لذلك كان اختيار الإسلام السياسى لأنه دين وحياة رائعة من البذل والعطاء، ولأن رأس هذه الثورة هى معرفة الله المعرفة التى تفسر على ارض الواقع (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم..) الآية.