أسفر المشهد الانتخابى فى انتخابات مجلس الشعب فى المرحلتين الأولى والثانية عن مجموعة من السلبيات التى يمكن تلافيها على نحو عاجل قبل انتخابات مجلس الشورى وما يليها من انتخابات بل وفى جميع انتخابات النقابات والأندية الرياضية وغيرها والتى تؤثر قطعاً على إرادة الناخبين أو فى نتائج العملية الانتخابية، وواحدة من أهم هذه السلبيات هى الغرامة الانتخابية المقررة فى قانون مباشرة الحقوق السياسية لعدم الإدلاء بالصوت وقدرها خمسمائة جنيه، ونركز فى هذا المقال على بيان المخالفة الدستورية والاستغلال السياسى لهذه الغرامة. هذه الغرامة الكبيرة التى تتجاوز الدخل الشهرى للملايين من الناخبين هى التى تقود إلى المهازل الانتخابية التى سجلتها عيون الكاميرات ووسائل الإعلام والمراقبون، وشاهدها الجميع بأعينهم. فقد تجد عجوزاً شيخاً أو سيدة يعانى للوصول إلى لجنة الانتخاب الخاصة به متوكئاً أو محمولاً، أو مريضاً لا يقدر على الوقوف يجرجر نفسه إلى لجنة الانتخاب تحت وطأة الخوف من الغرامة وليس حرصاً على صوته الانتخابى، فمأربه الوحيد ألا يتم تغريمه بهذا المبلغ الضخم والذى ينوء به كاهله. ويستغل المرشحون والأحزاب هذا الخوف ويغزونه لدى الناس ويقومون بتفويج هؤلاء إلى لجان الانتخاب بوسائل نقل جماعى مهينة لآدمية البشر للإدلاء بأصواتهم لمصلحتهم. ولأن هذا الصنف من الناس لأسبابهم المرضية أو الخاصة أو بحكم السن لا يرغبون فى التصويت أصلاً أو ليست لديهم اختيارات محددة، وغالبيتهم من البسطاء، فيسهل إرهابهم بسيف الغرامة والتأثير عليهم وتوجيه أصواتهم فى اتجاه من يقومون بتوجيههم أو مساعدتهم أو إغرائهم، وهو ما يجعل العملية الانتخابية لا تعبر عن اختيارات صحيحة نابعة من إرادة حرة. فإذا اتفقنا على هذا الحجم من التأثير السياسى السلبى للغرامة على إرادة لناخبين ونتائج العملية الانتخابية، فهل هى صحيحة دستورياً؟ لم يتضمن الإعلان الدستورى المطبق حالياً ما يشير إلى أن الانتخاب واجب على كل مواطن، خلافاً لدستور 1971 الذى كان يعتبر الانتخاب حقاً وواجباً، وقد كان معيباً فى هذا الشأن. وتذهب معظم دساتير الدول الديمقراطية المتقدمة ومواثيق ومقررات حقوق الإنسان العالمية إلى أن الانتخاب حق، ولا تشير أبداً إلى كونه واجباً، والحق لا يٌعاقب على تركه، فهو مكنة وسلطة واختيار لصاحب الحق له ممارسته أو تركه بحريته التامة. والالتزام بالإعلان الدستورى الحالى وما يتماشى مع دساتير الدول الديمقراطية والحقوق السياسية للمواطن فى مواثيق حقوق الإنسان العالمية يقود إلى عدم جواز النص بأى قانون على عقوبة الغرامة لعدم الإدلاء بالصوت فى أية انتخابات وإلا كانت الغرامة غير دستورية، ولو وصل هذا الأمر للمحكمة الدستورية العليا لقُضى بعدم دستورية تلك الغرامة المجحفة. ولوقف هذه المهزلة السياسية والمخالفة الدستورية اقترح على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يبادر سريعاً إلى إصدار قانون بإلغاء تلك الغرامة قبل انتخابات المرحلة الثالثة ومجلس الشورى بل وأية انتخابات، وألا تطبق هذه الغرامة على المراحل السابقة من انتخابات مجلس الشعب، أو أية انتخابات نقابات أو أندية رياضية، فالانتخابات ليست فرض عين وليست التزاماً، بل هى حق وخيار لصاحبه، وبذلك يتم تفادى واحدة من أهم أسباب الاستغلال السياسى لإرادة الناخبين وكثير من المشادات التى تحدث فى مقار الاقتراع بسبب عمليات الجلب الجماعى لهذا النوع من الناخبين، وعدم رغبة الكثير منهم الحقيقية فى التصويت مما يؤدى إلى تزمرهم من الطوابير أو الإجراءات. فهل يستجيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يحوز سلطة التشريع حالياً ويوقف هذه المهزلة، أم نظل نكتب وننادى ولا حياة لمن تنادى؟