نشأت الرهبنة القبطية فى القرن الثانى وفى عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس (138 161 م)، حيث تأتى أقدم الإشارات التاريخية عن وجود نساك بوادى النطرون، وكان القديس فرنتونيوس ومعه سبعون ناسكاً يتواجدون بوادى النطرون، راغبين فى التقشف والعزلة. وفى بدايات القرن الرابع كانت نشأة الرهبنة القبطية، التى تعتبر هى الأم لكل رهبانيات العالم، وفى سنة 250م خرج القديس الأنبا بولا (حوالى 234 341م) قاصداً حياة الوحدة وكان عمره حوالى 16 سنة، وعاش فى حياة الوحدة الكاملة حوالى 94 سنة، وقبل رحيله تقابل مع القديس الأنبا أنطونيوس سنة 341م، وتوفى وله من العمر حوالى 110 سنين، ويعتبر هو أول السواح فى مصر عموماً (تذكار رحيله بالسنكسار 2 أمشير).
وفى سنة271م كان القديس الأنبا أنطونيوس الكبير (251 - 356م) أب رهبان العالم ومؤسس الحياة الرهبانية وكوكب البرية يعتزل حياة العالم، وفى عام 285م يعبر النيل تجاه الصحراء الشرقية، وهو ابن 35 سنة ليسكن فى منطقة بسبير شرق النيل (مكان دير الميمون بالقرب من بنى سويف حالياً) وعاش هناك حوالى عشرين عاماً فى عزلة، وفى سنة 289م تعمق فى الصحراء الشرقية، وفى سنة 305م خرج من وحدته الكاملة ليقود أول جماعة رهبانية (كينوبيون)، وتذكار نياحته بالسنكسار 22 طوبة.
وفى عام 310م دخل القديس الأنبا باخوميوس (292 348م) فى حياة الرهبنة، وفى سنة 318م أنشأ القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة أول جماعة رهبانية منظمة (أول دير) فى طبانسين قرب فاو (فى منطقة قنا فى الصعيد الأعلى)، وفى سنة 315 أعتزل الأنبا آمون (أمونيوس) الكبير العالم، وفى سنة 325م أسس حياة الرهبنة فى جبل نتريا (البرنوج)، ثم امتدت الرهبنة جنوباً إلى منطقة القلالى حوالى سنة 338م وكان من أشهر آبائها القديس مكاريوس الاسكندرى (296 – 394م)، وفى سنة 340م تقريباً أنطلق القديس أنبا مقار (مكاريوس) الكبير (300 390م) إلى الأسقيط بعد توحده لمدة عشر سنوات على أطراف إحدى القرى، وقد قام القديس الأنبا مكاريوس الكبير بزيارة القديس الأنبا أنطونيوس مرتين، المرة الأولى عام 343م، والثانية عام 352م. وقد تتلمذ على يدي القديس مكاريوس الكبير القديسان مكسيموس ودوماديوس ابنا الامبراطور فالنتنيان الأول (364 375م) إلا أنهما تنيحا وهما فى سن الشباب، وكانا هما أول من تنيح من الرهبان فى الأسقيط حوالى سنة 380م (مكسيموس تنيح فى 14 طوبة ودوماديوس تنيح 17 طوبة، وتذكارهما بالسنكسار 17 طوبة) وجاء كثيرون وسكنوا حول مغارتيهما ببرية شيهيت وسموا ذلك الموضع دير الروم (برموس) وبنى القديس مكاريوس الكبير كنيسة عظيمة فى ذلك الموضع هى أول كنيسة بنيت فى برية شيهيت ، وأزدهرت الحياة الرهبانية فى برية شيهيت، ولم تأت نهاية القرن الرابع الميلادى إلا وكان هناك أكثر من خمسة آلاف راهب فى برية شيهيت وحدها.
وفى الربع الأخير من القرن الرابع ، توجه كثير من الآباء والرحالة والمؤرخين إلى برية شيهيت للتعرف على الحياة الرهبانية، ففى سنة 373م زار نتريا والقلالى وشيهيت المؤرخ الإيطالى روفينوس (345 410م) ، ومعه القديسة ميلانية الكبيرة الأسبانية، وفى سنة 383 م زار مصر أيفاجريوس البنطى ( 345 399م) ، وفى سنة 385 م زار نتريا القديس جيروم (ايرونيموس) (342 420م) ومعه القديسة باولا الإيطالية ، وقد قام بلاديوس ( 364 431م) صاحب "التاريخ اللوزياكى" ، والذى كان راهباً بجبل الزيتون باورشليم بزيارة منطقة القلالى سنة 391م وظل بها لمدة تسع سنوات، والقديس يوحنا كاسيان (350 /360 440/ 445م) زار برية شيهيت سنة 399م، وغادرها مع صديقه جرمانوس سنة 400م، فأنتقلت الرهبنة بسرعة مذهلة من مصر مهد الرهبنة المسيحية إلى ربوع العالم.
وظهرت فى القرن الرابع أيضاً تجمعات رهبانية أخرى فى : بسبير ( دير الميمون قرب بنى سويف)، وأوكسيرنكوس (البهنسا) ، وأنطينوى (قرب قرية الشيخ عبادة بملوى)، وليكوس (بالقرب من أسيوط)، وشنوبسكيون (منطقة قصر الصياد بالقرب من قنا) ، وغيرها. ومن أشهر آباء الرهبنة فى القرن الخامس : القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (333 451 م) ، وبلغ عدد الرهبان والراهبات التابعين لأديرته حوالى 4 أو 5 آلاف ، ويعتبر أكثر من أثرى الأدب القبطى بكتاباته وعظاته باللغة القبطية ومن قديسى القرن الخامس: القديس الأنبا بيشوى (320 417م) حبيب مخلصنا الصالح الذى توحد فى شيهيت لمدة 57 سنة ، والقديس الانبا أرسانيوس (354 - 445م) معلم أولاد الملوك، الذى كان معلماً لأركاديوس وهونوريوس ابنا الأمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير (392 395م)، وقد صار أركاديوس امبراطوراً (395 408م) . والأمبراطور أركاديوس هو الذى شيد بازيليكا ضخمة عند قبر القديس مار مينا العجايبى، وقد وصفت هذه البازيليكا لعظمتها، بأنها الأكروبول المسيحى القدى.