يقف حجاج بيت الله الحرام، على جبل عرفات، لأداء الركن الأعظم من أركان الحج، وهو الوقوف بعرفات والذى يوافق اليوم التاسع من ذى الحجة، وهو يبدأ مع شروق شمس يوم التاسع من ذى الحجة، حيث يخرج الحاج من منى متوجهاً إلى عرفة للوقوف بها. يوم عرفة يوم عظيم، أقسم الله تعالى به؛ قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] قَالَ: «الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ»، فصعيد عرفات هو مكان شريف يجتمع إليه الحجيج من كل أرجاء الدنيا فى التاسع من ذى الحجة كل عام، رافعين أيديهم بالتضرع والدعاء لله عز وجل، به جبل عرفات المسمى (جبل الرحمة). وعندما يقف الحجيج ليؤدوا ركن الحج الأكبر على صعيد عرفة يظهر أمامهم مسجد (نمرة)، ونمرة: جبل نزل به النبى صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى خيمة، ثم خطب فى وادى عرنة بعد زوال الشمس، وصلى الظهر والعصر قصرًا جمع تقديم، وانصرف منها إلى مزدلفة بعد غروب الشمس. وهو يوم أكمل الله لنا فيه ديننا، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِى اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لِعُمَرَ -رَضِى اللَّهُ عَنْهُ-: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا قَالَ: أَى آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِى أُنْزِلَتْ فِيهِ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ. وهو يوم المغفرة والعتق من النيران، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟». [أخرجه مُسلم] وهو يوم تنزُّل الرحمات؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَا رُئِى الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ، مِنْهُ فِى يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِى يَوْمَ بَدْرٍ» قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ». [أخرجه مالك فى موطئه] وصيام يوم عرفة له فضل عظيم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّى أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ، وَالَّتِى بَعْدَهُ» [أخرجه مُسلم]، فصومه رفعة فى الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات. ويشرع صوم عرفة لغير الحاج ممن لا يقف بعرفة؛ لفعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ رضى الله عنها: «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا (أى اختلفوا) عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، فِى صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ ». [متفق عليه].