بعد تسعة أيام تبدأ المرحلة الأولى لانتخابات أول مجلس شعب بعد ثورة 25 يناير، فمن مسلسل يفترض أن يؤدى إلى تحول مصر من دولة استبدادية إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، ولكن الصورة الواقعية والمقدمات تشير إلى عكس هذا الافتراض، فهناك تقارير عديدة وتحليلات وتوقعات تصب فى اتجاه تعثر هذا المسلسل الديمقراطى، وعدم اكتمال الانتخابات العامة وانفجار العنف، وبالتالى امتداد الفترة الانتقالية إلى أجل غير معلوم، واستمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حكم البلاد منفردًا. ويستند هذا التوقع إلى مجموعة من الأسباب، أولها إصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على رفض ما أجمعت عليه الأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية وائتلافات الشباب ورجال القانون، وفقهاء الدستور، من أن نقطة البداية فى تأسيس الدولة الديمقراطية فى مصر هى انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد يتم التوافق عليه بين جميع مكونات المجتمع المصرى، ويحدد العلاقة بين السلطات المختلفة، ثم يلى ذلك الانتخابات النيابية «سواء كانت لمجلس واحد أو مجلسين، وانتخاب رئيس الجمهورية، فنص الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس فى 30 مارس على البدء بانتخابات مجلسى الشعب والشورى خلال 16 شهرًا من تاريخ العمل بهذا الإعلان الدستورى «مادة 41 من الإعلان»، وأن يعقد اجتماع مشترك من المجلسين خلال ستة أشهر من انتخابهم ليقوموا بانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر أخرى. ولم يستقر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على نظام انتخابات مجلس الشعب والشورى إلا فى 27 سبتمبر 2011، أى قبل فتح باب الترشح لانتخابات مجلسى الشعب والشورى ب 15 يومًا، وفرض نظامًا انتخابيّا يجمع بين القائمة النسبية «ثلثى مقاعد المجلس» والمقعد الفردى «ثلث مقاعد المجلس»، رافضًا ما أجمعت عليه الأحزاب والقوى السياسية من اعتماد نظام القائمة النسبية غير المشروطة فى جميع الدوائر، وعدم الجمع بين نظامى القائمة والفردى بأى نسبة كانت، يضاف إلى ذلك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى السلطة باسم الثورة حافظ على النظام القديم ولم يحسم موقفه حتى الآن من قيادات وكوادر وأعضاء «الحزب الوطنى الديمقراطى» فلم يصدر قرارًا بحل هذا الحزب الذى أفسد البلاد طوال 35 عامًا، مما دفع بعض المشتغلين بالشأن العام للجوء للقضاء والحصول على حكم من المحكمة الإدارية العليا فى 16 أبريل 2011 بحل الحزب الوطنى، ولم يتعرض الحكم لمنع قيادات وأعضاء الحزب من ممارسة حقوقهم السياسية، ولجأ بعض المتقدمين لانتخابات ملجس الشعب للطعن أمام محاكم القضاء الإدارى ضد ترشيح أعضاء الحزب الوطنى فى الانتخابات التشريعية، وضرورة عزلهم سياسيّا، وأصدرت محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة حكمًا بشطب المرشحين الذين كانوا ينتمون للحزب الوطنى بالدقهلية، بينما رفضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية شطبهم فى الإسكندرية، ثم جاء حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم محكمة المنصورة ليفتح الباب أمام استمرار قيادات وكوادر الحزب الوطنى المنحل فى المعركة الانتخابية. وهناك توقع أن يكون العنف هو عنوان الانتخابات القادمة، فالاحتقان السياسى والاجتماعى والطائفى، وغياب الأمن نتيجة للإضراب غير المعلن لجهاز الشرطة، يفتح الباب على مصراعيه أمام عنف غير مسبوق خاصة فى ظل انتشار سرطانى للسلاح بما فى ذلك المدافع الآلية والأسلحة الثقيلة فى جميع أنحاء الوطن. وتطرح هذه المخاوف المشروعة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسؤولية أساسية تقتضى اتخاذ قرار أو قرارات لتجنب خطر عدم اكتمال الانتخابات، وقد تكون البداية هى إصدار المراسيم والقرارات اللازمة لتأجيل الانتخابات العامة لفترة محدودة، يتم خلالها معالجة هذه الأزمات، والتوصل لتوافق وطنى حول مبادئ أساسية للدستور، وفى جميع الأحوال لابد من إجراء تشاور وتفاهم حقيقى بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأحزاب والقوى السياسية وائتلافات الشباب والحركات الاجتماعية، ليشارك الجميع فى اتخاذ القرار بدلاً من انفراد المجلس بالقرار، وهو ما قادنا إلى المأزق الحالى.