فى الرابع من أكتوبر 1999 تلقى الدكتور عاطف عبيد خطاب الرئيس الذى يكلفه فيه برئاسة الحكومة، وكان التكليف يطلب تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، وتعميق مفهوم «دولة المؤسسات» والعدالة الاجتماعية، وتحسين أداء الاقتصاد وزيادة قدرتنا التصديرية وتشجيع القطاع الخاص. وفى نهاية خطابه للحكومة: ويقيننا من أنكم سوف تديرون عمل المجلس بروح الفريق الواحد، وتحرصون على توفير عنصر التجانس والتنسيق بين الوزارات وأجهزة الدولة ومؤسساتها.. بحيث لا يحدث تعارض فى السياسات أو تضارب فى القرارات. وكان الدكتور عبيد هو سادس رئيس وزراء مع الرئيس حسنى مبارك والرابع فى سلسلة رؤساء الحكومات التكنوقراط، بعد الدكاترة على لطفى وعاطف صدقى والجنزورى الذين صعدوا على سلم البيروقراطية دون خبرة سياسية، تولى وزارات التنمية الإدارية والتخطيط وقطاع الأعمال فى حكومات صدقى والجنزورى، وظل الغموض يحيط بعملية الخصخصة حتى بعد تولى عبيد رئاسة الوزراء. جاء عبيد ببرنامج اقتصادى، خال من السياسة، وفى 18 ديسمبر 1999، ألقى أول بيان لحكومته، بعنوان «معالم الطريق لإقامة مجتمع رعاية محدودى الدخل، وتحقيق النهضة الكبرى من خلال التنمية الشاملة والمتواصلة والعادلة»، وعد فيه بإعطاء مزيد من الدعم والخدمات للفقراء ومحدودى الدخل، وتأكيد تكافؤ الفرص، وتقديم مزيد من الأموال، والجهود، والأفكار الحديثة لتحقيق الواقعية، والانضباط، والجدية فى التعليم والصحة، وسرعة العدالة فى فض المنازعات، وملاحقة المفسدين، ومساندة الشرفاء، وأعلن عن عدد من السياسات لكفالة غير القادرين. وبدا معجبا بشعار «الحكومة كفيل من لا كفيل له، معاش لمن لا معاش ولا عائل له»، ورعاية شباب الجامعات الفقراء، من خلال قرض شخصى، وقروض ميسرة لعمال اليومية، والأجراء، وصغار الحرفيين، ووعد بأن توفر حكومته 650 ألف فرصة عمل ومائة ألف شقة سنويا، مع استمرار دعم السلع والخدمات، وزيادة الصادرات بنسبة 10 % سنويا، مؤكدا أنه لا تخفيض فى قيمة سعر صرف الجنيه. كان الدكتور عبيد من محترفى إطلاق الأرقام والوعود، حتى لو كانت تناقض الواقع. حدد استراتيجيات تنفيذ برنامج حكومته، 22 نقطة شملت التنمية الاقتصادية المستدامة والعادلة، وتقوية دور الدولة مع تطبيق آليات السوق، وتصحيح أخطاء السوق، واستقرار الموازين الاقتصادية والعلاقات العمالية والتصدى للبطالة، والترويج للاستثمار والسياحة، وبدا وهو القادم من موقع اقتصادى يحاول أن يبدو شعبيا حتى لو على حساب معتقداته، فأغرق فى تقديم الوعود، التى تتناقض أغلبها مع نظريته فى اقتصاد السوق وقناعاته، وبالرغم من أنه اشتهر بالقدرة على إلقاء الأرقام، فقد بدت متعارضة طوال الوقت مع واقع يبدو أكثر تعقيدا. أعلن الدكتور عبيد عن توفير فرص عمل، ومرت ثلاثة أعوام دون نتيجة، وفى مايو 2002 أعلن عن توفير 50 ألف وظيفة، كان الشك فيها واضحا، تحول الشك إلى يقين فى شهر أكتوبر 2002، عندما أعلنت الحكومة عن خطة لتعيين الخريجين، وفتح باب تلقى الطلبات، وتقدم خمسة ملايين شاب، مما كشف عن حجم البطالة، وتم إرسال خطابات اتضح أنها وهمية، وانكشفت الوعود، ولم يكن يمر شهر إلا ويخرج تصريح عن توفير فرص عمل إضافية، وحتى الصحف الحكومية التى روجت للفرص لم تستطع الصمت ونشرت تظلمات عشرات الآلاف من الشباب. فى يوليو 2002 قدم الدكتور عاطف عبيد مبادرته لتسوية ديون المتعثرين والهاربين للخارج من كبار المقترضين، لكن توالى هروب رجال أعمال فى حجم رامى لكح، ومصطفى البليدى، وعمرو النشرتى، وبدلا من تحقيق مبادرات التسوية، تعقدت الأزمة وحسب تقرير للبنك المركزى كانت مديونيات البنوك 280 مليار جنيه، والمديونية المتعثرة ل38 فقط من رجال الأعمال المصريين 25 مليار جنيه، منها أحد عشر ملياراً لبنك القاهرة وحده. وقضت حكومة عبيد فترتها ولم تحل أزمة المتعثرين والهاربين. وربما كان الإنجاز الوحيد لعبيد هو نجاحه فى تثبيت سعر صرف الجنيه، بعد عدة محاولات فاشلة، حيث خرج من الحكومة، تاركا الجنيه عند معدلات مستقرة، بعد أن انخفضت قيمته أمام الدولار، بشكل كبير مع بدايات تطبيق التحرير فى نهاية عام 2003. حتى الخصخصة لعبة عبيد ومجال عمله، فقد انتهت فترة حكومته دون أن تنفذ شيئا، وحظيت بهجوم رجال الأعمال والمواطنين. عبيد أحضر تلميذه مختار خطاب لإتمام برنامج الخصخصة، وهو الرسالة التى لمع من خلالها عبيد، وفى 10 أغسطس 2002، تحدث مختار خطاب وزير قطاع الأعمال لمجلة «الأهرام العربى» وعلق تأخر نتائج الإصلاح الاقتصادى على شماعة الأزمة الآسيوية عام 1998، ثم حادث الأقصر الإرهابى، وقال إن قيمة ما تم بيعه 16 ملياراً و905 ملايين جنيه بخلاف الأصول، تحصل منها 14 ملياراً و689 مليون جنيه، أنفق منها4.5 مليار جنيه للبنوك، و7.2 مليار جنيه معاشاً مبكراً, 578 مليون جنيه إصلاحا فنيا وإداريا، و396 لصندوق إعادة الهيكلة، و7 مليارات و549 مليون جنيه لخزينة الدولة. فيما يخص النقل، بالرغم من ادعاءات سابقة بأنه تم إنفاق المليارات العشرة على السكك الحديدية، اتضح من تقارير وزارة النقل أن أكثر من 70 بالمائة من القطارات غير صالحة، لكن استمرت طريقة الدعاية والإعلان، وافتتاح تطويرات وهمية، كانت أخراها قبل احتراق القطار فى مايو 2001، تحدث وزير النقل عن إعادة هيكلة هيئة السكك الحديدية وتطويرها. وفى يوليو افتتح رئيس الحكومة مؤتمر السكك الحديدية بمشاركة 44 دولة، بمناسبة مرور150 عاما على إنشائها باعتبارها ثانى أقدم سكك حديد فى العالم بعد إنجلترا، وفى 6 يناير 2002، تفقد عبيد ما سمى بمشروع تطوير عربات الدرجتين الثانية والثالثة، وأعلن عن عربات رجال الأعمال. وفى فبراير 2002 احترق قطار الصعيد قبل العيد، وتحولت سبع عربات فى الدرجة الثالثة إلى كتل من اللهب، واتضح أن القطار ليس به طفايات، واتهم رئيس الوزراء الركاب بأنهم يستخدمون مواقد بدائية قد تكون سبب الحريق، متجاهلا تقارير فنية كشفت عن غياب الصيانة والأمان فى القطارات، كان الحادث بمثابة كابوس أيقظهم من وعود عبيد. وقد هاجم رجل الأعمال نجيب ساويرس أكثر من مرة، وأعلن أنه لم يستثمر أى مليم فى عهد عبيد، وقال بعد عام من رحيل عبيد إنه لم يكن مقتنعا بالرجل كرئيس لوزراء مصر بسبب كثرة الوعود التى لم تتحقق طوال سنوات. وحتى البنية الأساسية.. التى كانت أحد عناصر فخر الدكتور عبيد اتضح مع الوقت أنها وهم وسراب، ومصر التى أنفقت على البنية الأساسية ما يتجاوز ال300 مليار جنيه، اتضح أنها وهم، وبعد عامين من تولى عبيد فى فبراير 2001 قدم أكثر من مائة نائب عن الحزب الوطنى والمعارضة أسئلة وطلبات إحاطة عن غياب وتعطل مشروعات الصرف الصحى فى محافظات بحرى وقبلى، ورد وزير التعمير وقتها محمد إبراهيم سليمان وقال إن الحكومة المصرية أنفقت 45 مليار جنيه على مشروعات المياه والصرف الصحى، وهو ما يفوق ما أنفقته أمريكا، والمدهش أنه بعد عام كامل فى فبراير 2002 عاد نفس النواب ليقدموا نفس الأسئلة وطلبات الإحاطة ورد نفس الوزير إنه تم إنفاق 51 مليار جنيه، تكررت الطلبات والمناقشات، وتكررت ردود الوزير. فى عهده توسع الاستثمار العقارى الفاخر على حساب المتوسط، وارتفعت أسعار المساكن والشقق، بينما توسعت العشوائيات فى المقابل، وهى القضية التى استنكرت لتتحول إلى كارثة فى عهد حكومة نظيف ولاتزال كارثة الدويقة ماثلة للعيان. أحوال الصحة والعلاج ساءت فى عهد حكومة عبيد، وظل مشروع قانون التأمين الصحى معطلا، ونفس الأمر بالنسبة للتعليم، وظلت مصر فى درجة متأخرة فى تقارير التنمية البشرية، والبنك الدولى الذى وضعها فى الرقم 165، بعد العراق والصومال، بسبب فشل البنية الأساسية. الدكتور بطرس غالى فى مذكراته -يصف عاطف عبيد- الذى ذهب لزيارته، بأنه «رجل تبدو عليه علامات الشيخوخة، والتعب وأرهقته ممارسة السلطة، أباغته طوال فترة محادثتنا وهو يغالب النعاس، أقول له: إن صورة مصر سيئة كما صورة العالم العربى، يجب أن نبادر بهجوم معاكس.. يوافقنى عاطف عبيد: عندما تقابل الرئيس مبارك يجب أن تكلمه فى ذلك.. يضيف غالى: أحرص على ألا أتطرق للأزمة الاقتصادية فأنا أعرف ما سيجيبنى به، يشتكى من الصحافة التى لا ترحمه. وفى العاشر من يوليو 2004 قبل الرئيس استقالة حكومة الدكتور عبيد، الذى تولى الحكومة بكثير من الوعود، وخرج منها وأكثر وعوده لم تتحقق. لمعلوماتك.. ◄عاطف عبيد.. ولد فى 14 أبريل 1932. أول وزير لقطاع الأعمال العام لم يكن هو الدكتور عاطف عبيد، وإنما كان الدكتور عاطف صدقى نفسه، وهكذا فإن عاطف عبيد ورث عاطف صدقى على مرحلتين، فى البداية ورثه فى منصبه الأحدث عام 1993 فى وزارة عاطف صدقى نفسها كوزير لقطاع الأعمال العام وتنازل يومها عن إحدى الحقائب الثلاث التى كان يتولاها، وهى حقيبة شئون مجلس الوزراء، بينما احتفظ مع القطاع العام بحقيبتين أخريين هما التنمية الإدارية والدولة لشئون البيئة. ◄وزير عابر للحكوماتفاروق حسنى هو الوزير العابر للحكومات، اكتشفه الدكتور عاطف صدقى أثناء عملهما فى باريس، وتولى وزارة الثقافة مع صدقى ولم يخرج منها، استمر مع الجنزورى وعبيد ونظيف، وبالرغم من أنه خاض معارك وتعرض لأزمات إعلامية وثقافية، فقد استمر فى موقعه، وتقدم باستقالته مرة، لكن من الواضح أنه ربما لا يغادر موقعه إلا بالذهاب إلى اليونسكو.