الرئيس السيسي يجتمع برئيس مجلس الوزراء ووزير الأوقاف    سعر الجنيه الإسترلينى يختتم تعاملات اليوم الاثنين 28-7-2025 على تراجع    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    رئيس الوزراء يلتقى رئيس شركة "شل العالمية لأنشطة الغاز المتكاملة"    برلمانى: كلمة الرئيس السيسى تؤكد ريادة مصر الأخلاقية والإنسانية فى دعم فلسطين    بدء تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات على مناطق في جنوب وشمال قطاع غزة    ضغوط على بريطانيا للاعتراف بفلسطين.. صحيفة: سيكون له ثقل خاص بسبب وعد بلفور    4 مباريات دولية لسيدات الطائرة بمعسكر سلوفينيا استعدادًا لبطولة العالم    المصرى يؤدي مراناً صباحياً بمدينة سوسة بعد ودية الترجي.. صور    وادي دجلة يعزز صفوفه بالتعاقد مع الحارس عمرو حسام    ضبط محطة تموين سيارات لتصرفها فى 7976 لتر سولار بالمخالفة فى الإسكندرية    تجديد حبس متهم بقتل سيدة وسرقة 5700 جنيه من منزلها بالشرقية بسبب "المراهنات"    جنازة زياد الرحبانى.. كارمن لبس تنهار فى البكاء وتحتضن نعش الموسيقار الراحل    جمال الكشكى: الرئيس السيسى وجّه رسائل حاسمة للعالم من أجل إنهاء حرب غزة    الصحة العالمية تدعو إلى القضاء على التهاب الكبد للوقاية من سرطان الكبد    فريق جراحة الأورام بالسنبلاوين ينجح فى استئصال كيس ضخم من حوض مريضة    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة تظلمات مسابقة ألف إمام وخطيب    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    نائب رئيس الوزراء : تدريب مجانى لتأهيل سائقى الأتوبيسات والنقل الثقيل وتوفير فرص عمل بالشركات    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 28-7-2025 بعد آخر انخفاض بالصاغة    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    المدارس تبدأ تسليم استمارات النجاح وإخطارات الدور الثاني لطلاب الثانوية العامة    مدبولي يستعرض استجابات منظومة الشكاوى الحكومية لعدد من الحالات بقطاعات مختلفة    تنسيق الجامعات 2025.. برنامج الدراسات القانونية باللغة الإنجليزية ب حقوق حلوان    النصر ورونالدو.. بوابة جواو فيليكس نحو كأس العالم    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    فرقة الآلات الشعبية وكورال السويس يتألقان في رابع أيام "صيف السويس"    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    المجلس التنفيذي لمحافظة مطروح يعقد اجتماعه الرابع للعام 2025 برئاسة اللواء خالد شعيب    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    حكم استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها.. المفتي يوضح    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إسرائيل تقرر تجميد خطة "المدينة الإنسانية" في رفح    محافظ المنيا: إزالة 744 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    «الصحة» تحذر من الإجهاد الحراري وضربات الشمس وتوجه نصائح وقائية    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    وكيل الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في غزة مدمرة    جيروزاليم بوست: العديد من أعضاء إدارة ترامب يعتقدون أن الوقت مناسب لاقتراح صفقة شاملة لإنهاء الحرب في غزة    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد منذ بداية الحرب    توفير السيولة وخلق كوادر شابة مفتاح نهوض شركات المقاولات التابعة للقابضة للتشييد    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    الكرتي يترك معسكر بيراميدز ويعود للمغرب    السيطرة على حريق بشقة سكنية في البلينا وإصابة 3 بحالات اختناق    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طيارة ورق لا تعرف الخرائط
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 11 - 2011

منذ اكتشفتُ أننى أُفضّلُ الطائرةَ الورقية عن الطائرة المعدنية، وأحب النسرَ أكثر من القطار، وأرى الشجرَ الدغلى الأشعثَ أجملَ من أشجار الميادين المشذّبة المنمقة، ومنذ اكتشفتُ أن شَعر المرأة الغجرىَّ الأجعدَ أكثرُ فتنةً منه حين تعبثُ به أصابعُ مصفّف يعقصُه فى شينيون أنيق ينتمى إلى عصر الباروك ولا ينتمى لعصرنا، وأن قميصًا من الكتّان المكرمش أجملُ فى عينى من فستان حريرى بكرانيش وأذيالٍ ودانتيلا من العصر الفيكتورى، ومنذ ارتقى وعى لأفهم أن نعيقَ الغراب ونقيق الضفدع وهزيم الرياح لا يخلو من جمال كزقزقة العصفور وخرير الماء وحفيف الشجر، اكتشفتُ أن مفهومنا القارَّ المطمئن عن الجمال قاصرٌ وضيّقٌ وساذج، وبحاجة إلى مراجعة. للجمال منابعُ ودروبٌ شتى لا تخطر ببالنا، فقط لأن أسلافنا منذ الأزل قد سكّنوها فى خانة القبيح، وفقًا لمنظومة ثنائية بالية تقسّم العالم إلى: أبيض، أسود- جميل، قبيح، حلوٌّ، مرّ... إلخ، غافلين أن بين الأبيض والأسود ملايين الألوان والدرجات والنغم، «الطيارة الورق» بكل جنونها وفوضاها حين تطير دون قانون سوى مشاكستها الراقصة لتيارات الهواء، بذيلها الذى من قصاصات كراساتنا الملونة، وعُصياتها الخشبية النحيلة التى نجمعها عصا عصا ونحصيها كما تحصى عجوزٌ بخيلةُ حُليَّها، بحبلها الطويل الذى يصبو إلى الله فى عليائه، كل هذه الفتنة، فى مقابل الطائرة المعدنية الثقيلة التى تحمل جالوناتِ نفط ومؤنًا وحقائبَ وأوزارًا وصراخَ أطفال وتململاتِ نساء وضجرَ رجال، لتمشى فى خطوط جوية مبرمجة محسوبة سلفًا بالدقيقة والثانية، والنسر الذى يجوب السماء، يتماوج جناحاه فى أناقة ويلوى عنقه النحيلَ لينظر بكبرياء من علٍ بعينه الحادة الجميلة، ثم يهبط فجأة ليقتنص فريسته فيصعد بها إلى حيث مكمنه فى جوف جبل، فى مقابل القطار البليد الذى مأسورٌ بقضيبين مرسومين فوق خارطة المدينة، لا يحيد عنهما إلا حينما يعنّ له أن يصنع كارثةً لكى تنشر الصحفُ صورتَه فى الغد وسط نهر من دماء المغدورين الذين راحوا ضحية شطط قطار قرر أن يمارس بعض الجنون ويتحرر من قضبانه. حينما برحتْ رأسى، إلى غير رجعة، كل تلك «الأناقات» القديمة الرصينةُ القارّةُ المطمئنة إلى ثوابتِها، لتحلَّ محلَّها هذه الفوضى والجنون والحياة، عرفتُ وقتها أننى بصدد البحث عن طريقة جديدة لكتابة القصيدة، قصيدة لا تمشى على عكّازين، مثل شطرى الخليل، ولا تحجلُ كما بيدقٍ فوق مربعات شطرنج، كما تفعيلاته، بل قصيدة أكثر حريّة وجموحًا وجنونًا وحياة.
الطريفُ أن محاضرةً فى العمارة كانت السبب وراء بحثى عن أسلوب جديد للقصيدة، دخل الأستاذ يومًا ليقول لنا: يا أبناء الفرقة الثالثة / عمارة، كل ما علمناكم إياه فى السنوات الماضية من جماليات السيمترية، التماثل، والاتزان التكوينى والتناغم بين الكتلة والفراغ والمونو-تونية والهارمونية والإيقاع البصرى ونقاء الطراز (إذ لا يجوز الجمع بين القوطى والكورنثى، أو الفرعونى والإسلامىّ مثلا فى بناية واحدة) إلى آخر المنظومة الجمالية التى تعلمتموها على أيدينا، كل ذلك just cast away ، يعنى ألقوا بها من النافذة وانسوها! فما علمناكم إياها إلا تمهيدًا لمحوها من رؤوسكم اليوم. علمناكم القانونَ لكى تكسروا القانون، دربناكم على النظام لكى تفجروا النظام، علمناكم القاعدةَ لكى نقول لكم اليوم أن لا قاعدةَ للفن والجمال، ثم راح يشرح لنا الخطاب ما بعد الحداثى من جماليات التنافر وإستاطيقا القبح والتشظى واللا مركزية وهدم الإيقاع وكسر السلطة ونبذ الثنائيات ونقاء النوع والواحدية انحيازًا للتجاور والتعدد.
هنا تبدّلت رؤيتى الجمالية، وبدأت رحلتى من الإيمان للشك فى الثوابت الجمالية والشعرية لا سيما عمود الخليل الذى رسخ 1500 عام كأنما هو الأبد! كذلك رؤيتى المضمونيةُ بدأت تضجر من المجازات المهترئة التى حشوا بها رؤوسنا فيما يشرحون المنجز الشعرى العربى.. جميلة تلك الجماليات؟ نعم، بالطبع. لكن جمالها استُنفد مع الزمن. مثلما لا ننكر جمال نساء الباروك بفساتينهن المزركشة صارخة الألوان، لكن الجينز الباهت يناسب أكثر حياتنا المشحونة بالتعب. لم يعد يُغرى الشاعرَ استلهامُ القمر والشمس والنجوم. فالقمرُ كاذبٌ يعكس ضوًءا ليس له. والشمسُ غيرُ عادلةٍ تُلهب مناطقَ بقيظها، وتضنُّ بشعاع دفء واحد على بقاع أخرى. والنجومُ التى استلهمناها فى قصائدنا غيرُ موجودة بل برحت مواقعَها منذ زمن أو انفجرت، وما نراه ليس إلا صورتها القديمة! كيف نكتب عن كل هذه الأكاذيب بينما أمامنا الإسكافى والشحاذ وعبيطة القرية؟ المتعبون والمهمشون والمأزومون؟ لم يعد الفارسُ مُلهِمًا لأن الفرسانَ والزعماء خربوا حياتنا. ويئس الشاعرُ من إصلاح العالم، فهبط من عليائه فوق الأوليمب وحطَّ رحاله على الأرض ليعلن أن العالمَ جميلٌ هكذا بكل فوضاه وعبثيته، وأن لا إجابات لديه على أسئلة الناس، بل لديه مزيدٌ من السؤال.
«من محاضرة حول الشِّعر بالمركز الثقافى العربى السويسرى بزيوريخ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.