على مدار أكثر من أربعين عاماً عاش الشعب الليبى يعانى من قسوة ظلم وجبروت القذافى إلى أن فاض به الكيل، وخرج فى فبراير الماضى بمظاهرات غاضبة ومعارك بطولية ضد مرتزقة القذافى راح ضحيتها الآلاف الشهداء، ورغم ذلك لم يستسلم الشعب الليبى الأبى، ولم يضعف وظل يناضل أكثر من ثمانية أشهر للتحرر من النظام الديكتاتورى إلى أن مكن لهم المولى عز وجل، وكانت نهاية القذافى فى العشرين من أكتوبر لعام 2011، نهاية عميد الطغاة العرب، ملك ملوك أفريقيا، قذاف للدم فقط، تشهد على ذلك جرائمه بحق الشعب الليبى، والعديد من الشعوب العربية وشعوب العالم فى مختلف القارات، من خلال جرائمه الإرهابية التى لم تستثن دولة أو قارة. لقد كتب الله للثورة الليبية النجاح، وجعلهم يتنفسون نسيم الحرية بعد انتهاء حرب دموية خاضها القذافى ضد شعبه، لتبدأ مرحلة البناء والتعمير، مرحلة بناء الدولة لتكون دولة مؤسسات لا دولة أفراد، وليسود القانون ولينعم الشعب بالحرية والديمقراطية. لابد لكل حاكم عربى أن يأخذ العظة والدرس، فنهاية معمر القذافى هى النهاية المحتمة لكل الطغاة الذين يواجهون إرادة الحرية والديمقراطية لدى شعوبهم بالقتل والقمع والدم، أما كان أجدر وأكثر احتراماً له ولبقية الطغاة أن يتنحى بجزء من كرامته منذ اندلاع ثورة الشعب الليبى؟ أنا متأكد لو فعلها ذلك الطاغية ومن تبقى بعده من الطغاة، لسامحهم الشعب على أغلب جرائمهم بحقه، ولكن استمرارهم فى التعنت والتمسك بالكرسى والنهب لثروة الشعب، تستحق هذه النهاية لعميد الطغاة العرب، وغيره مثل حسنى مبارك بعد هذه المحاكمة له ولولديه والعديد من رموز نظامه. هل كان حسنى مبارك أو حبيب العادلى يتخيلان أنهما سيقفان هذا الموقف الذليل الذى يليق بأفعالهما طوال ما يزيد على ثلاثين عاما؟ هل كان يتوقع حبيب العادلى وأحمد عز وزهير جرانة وأحمد المغربى وغيرهم، أن يسجنوا فى عنبر الإخوان بسجن مزرعة طرة، بدلا من خيرت الشاطر وحسن مالك ومحمد على بشر وباقى قيادات الإخوان ممن حكم عليهم ظلما فى محاكمات عسكرية أحكامها كانت معدة مسبقا، ولكن إرادة الله اقتضت أن يذيقهم من كأس الذل، كما أذاقوا الشعب على مدار ثلاثين عاما. وها هو اليوم شعب ليبيا الأبى يستنشق عبير الحرية بعد اثنين وأربعين عاما من الظلم الذى طال الشجر والحجر فى لبيبا، ليبقَى سجن أبو سليم شاهدًا على ظلم ذلك القذافى الذى فاق طغيانه كلَّ الحدود، حيث قتل الطاغية فى مجزرة سجن أبو سليم فى يونيو 1996 ما لا يقل عن 1200 سجين ليبى لا ذنب لهم، سوى أنهم منتقدون ومعارضون لنظامه القمعى، وليس آخرها دعوة الإمام موسى الصدر ورفيقيه إلى ليبيا وقتلهما، ولا مذبحة تفجير وإسقاط طائرة بان أميركان فوق قرية لوكربى البريطانية نهاية عام 1988، حيث قتل ما لا يقل عن 290 مواطنا من مختلف الجنسيات، أغلبهم من الجنسية الأمريكية، واعترف الطاغية المقبور بها رسميا ودفع تعويضات لعائلات الضحايا تفوق ستة مليارات من الدولارات. اليوم لن يستطيع القذافى أن يحجب ضوءَ الشمس.. لن يستطيع أن يمنع رياح الحرية التى هبّت نسائمُها على كل شبرٍ من أرض ليبيا الحبيبة.. ولن يستطيع ملك ملوك الديكتاتورية أن يمنع اكتمال الثورة؛ لأنَّ الشعب الليبى عرف طريقَه للحرية مهمَا تكلَّف من دماء وأرواح، فتحية لثوار ليبيا الأحرار، الذين ضرَبوا مثالاً عظيمًا فى البطولة والإقدام والتضحية؛ فحملوا السلاح دون خبرةٍ أو تدريبٍ؛ دفاعًا عن حريتهم وبلادهم التى سَلَب خيراتها القذافى.