إنها كما قلت ذات الآليات الفاسدة التى تحكم الجميع، فلا توجد حريات فى معظم الأحزاب، والقوى السياسية، ولدينا تاريخ من الانشقاقات لا نهاية له. هل منطقى أن ننتقد بعنف السلطة الحاكمة، فى حين نصمت تماما عن أخطاء هذا التيار أو ذاك؟ هل منطقى أن نحارب استبداد الحكومة ونصمت عن استبداد الأحزاب والقوى السياسية؟ ليس منطقيا، وإلا تحولنا إلى مزدوجين، مصابين بالشيزوفرنيا، نقول عكس ما نفعل، ندافع عن الحق هنا، ونسكت عن الزور هناك. المشكلة هى أن المعارضين نجحوا فى أن يضعوا أنفسهم فى خانة الأخيار، فهم الوطن ذاته، وكل ما عداهم أشرار، وأولهم النظام الحاكم «كله على بعضه»، وكل من يتجرأ على انتقاد أى منهم، حتى لو كان نقدا هينا لينا، فمن المؤكد أنه عميل للسلطة أو من الخونة. فهل يستحقون هجوم بعض قيادات الحزب الوطنى عليهم؟ هذا ما سوف أجيب عنه فى نهاية الموضوع. المسكوت عنه هو الآليات الفاسدة التى تحكم عمل الجميع، فالمعارضون يقدمون أنفسهم باعتبارهم البديل، فى حين أن أساليب معظمهم أسوأ من السلطة الحاكمة، فهم لم يبنوا مؤسسات محترمة، حتى يقدموا نماذج ملهمة لما يمكن أن تكون عليه البلد لو حدث وحكم أى فصيل منهم. ففى مؤسساتهم الصحفية كانوا أسوأ من الحكومة التى يعيشون على انتقادها، فأجور العاملين لديهم كانت ومازالت هى الأسوأ، ليست مقارنة فقط بخطابهم الشفاهى الذى يبكى على حال الفقراء، ولكن حتى مقارنة بالمؤسسات الصحفية الحكومية والتى تعطى الصحفيين أجورا وامتيازات أعلى منهم بكثير. وإذا حدث وسألتهم كيف وأنتم تدافعون عن الفقراء؟ يتحججون بقلة الموارد، فالحكومة تضيق عليهم، ولا ينتبهون إلى أنهم يقولون إن الفقر فى مصر، ليس سببه قلة الموارد، ولكن السياسات الفاسدة التى تنتهجها السلطة الحاكمة، فمعظمهم يقولون شيئا ويفعلون عكسه ببساطة مذهلة. ثم كيف تخسر صحفهم، فى حين يزعمون أنهم يعبرون عن الجماهير، فلماذا لا تشترى هذه الجماهير مطبوعاتهم؟! المشكلة ليست فى الأجور فقط، ولكنك ستجد أن عدد الصحفيين الذين تم فصلهم وانتهاك حقوقهم فى صحف المعارضة أكبر مما حدث فى صحف الحكومة، ففى حزب الوفد فصل الدكتور نعمان جمعة الرئيس السابق 12 صحفيا بجرة قلم، وهو الوضع المتكرر فى معظم صحف المعارضة سواء كانت ترفع شعارات يسارية أو ليبرالية، وسواءً كانت حزبية أو خاصة. الحرية الوحيدة المتاحة عندهم هى انتقاد السلطة الحاكمة، بالحق وبالباطل، ولكن الغريب أنه غير مسموح بانتقاد أصغر عضو فى الحزب، ورئيس الحزب المقدس، وإذا كانت الصحيفة خاصة ومحسوبة على المعارضة، فستجد ذات الأمر، فهناك خطوط حمراء أكثر بكثير من الصحف الحكومية. فالأخيرة يمكنك فيها أن تنتقد أعضاء فى الحزب الحاكم، بل يمكن انتقاد وزراء، ورئيس الوزراء.. والمحرم هو الرئيس، أى أن المقارنة للأسف لصالح الصحف القومية. وإذا نظرت إلى المؤسسات الحزبية المعارضة، فستجد معظمها يحكمه تاريخ من الاستبداد. فلا يوجد رئيس حزب تخلى طواعية عن رئاسة الحزب، وكأنها ملكية شخصية، وليست موقعا سياسيا طبيعته تفرض التغيير، فالأستاذ ضياء الدين داود يرأس الحزب منذ 1992 وما زال مستمرا رغم تقدمه فى السن، ومثله باقى الأحزاب، رغم أنهم ينتقدون بقاء الرئيس طوال 27عاما فى الحكم، ومع تقديرى لتنحى الأستاذ خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع، فإنه لا يمكن اعتبارها ممارسة ديمقراطية، فمع محبتى الشخصية له، فقد ترك موقعه لضرورات التقدم فى العمر. إذن ما الفرق بينهم وبين السلطة الحاكمة؟ أنها كما قلت فى البداية ذات الآليات الفاسدة التى تحكم الجميع، فلا توجد حريات فى معظم الأحزاب، والقوى السياسية، ولدينا تاريخ من الانشقاقات لا نهاية له، بل إن الأحزاب الجديدة كلها انشقاقات من أحزاب قديمة، خذ عندك.. حزب الوسط برئاسة أبو العلا ماضى انشقاق من الإخوان.. الغد بقيادة أيمن نور انشقاق من الوفد.. الكرامة بقيادة حمدين صباحى انشقاق من الناصرى، وهكذا.. فالمؤسسات السياسية التى أقامتها المعارضة لا توجد فيها آليات ديمقراطية تستوعب الخلافات كما فى كل أحزاب الدنيا، بل يعتمدون على منطق الاستيلاء والإزاحة، وهذا ما حدث مثلا فى الحزب الناصرى الذى غادرته مضطرة قيادات كثيرة من جيل الوسط. وهو ما تكرر فى حزب الأحرار، والذى بعد معارك طاحنة استخدمت فيها أحيانا البلطجة، فشل فى أن يجد له رئيسا بطريقة ديمقراطية.. وهو ما حدث أيضا فى حزب مصر الفتاة، صحيح أن الحكومة لعبت دورا فى كل هذا، ولكن ما كان هذا ليؤثر لو أن هناك أساسا ديمقراطيا قويا. والغريب أن معظم من خرجوا احتجاجا على غياب الديمقراطية كانوا أكثر استبدادا فى أحزابهم الجديدة؛ خذ مثلا د.أسامة الغزالى حرب، الذى استقال من الحزب الوطنى الذى يعتبره ديكتاتورا وأسس حزب الجبهة الديمقراطية، ورغم الفترة البسيطة التى مرت على مولد الحزب، فقد شهد استقالات مروعة، وحروبا غير ديمقراطية، وللأسف هذا ما حدث فى حزب الغد، فقد وصلت الصراعات إلى درجة حرق مقر الحزب بزجاجات المولوتوف، رغم أن بداية الحزب كانت مشجعة وكان يضم فى عضويته شخصيات بارزة. حركة كفاية التى لعبت دورا نبيلا فى الحراك السياسى، قتلتها الانشقاقات وانعدام وجود آلية ديمقراطية لإدارة الخلافات. وهو ما سوف تجده فى حزب الوفد، فمحمود أباظة ومناصروه فصلوا رئيس الحزب دكتور نعمان جمعة، ليس من رئاسة الوفد فقط، بل من العضوية العادية، وغيرهم وغيرهم.. فلا أحد فى الفرقاء يريد ممارسة ديمقراطية حقيقية، هم فقط ينادون بها فى مواجهة النظام الحاكم ويروجون لها عندنا نحن الغلابة الذين نصدقهم. ولن تجد فرقا بين صلاحيات الرئيس فى الحزب الوطنى، وصلاحيات أى رئيس حزب؛ فهو فوق الجميع، وهو كل شىء، هكذا كان غد أيمن نور، وكرامة حمدين صباحى، ومع كامل التقدير لدوريهما فكلاهما يمارس دور رئيس الحزب ورئيس التحرير وعضو برلمان، ومثلهما الإخوان، فلا صوت يعلو فوق صوت رئيسهم محمد مهدى عاكف. هل هذا يعنى أن المعارضة كلها شر؟ بالطبع لا وإلا نكون مثلهم، بمعنى التقسيم الحدى، أخيار وأشرار، هم مثل أى تجمع بشرى، فيه سلبيات وفيه إيجابيات، لا أكثر ولا أقل. فرغم أنهم وسعوا هامش الحريات السياسية، ولكنهم لم يغيروا الآليات الفاسدة، فكثير من المعارضين، وليس كلهم، «بيشتغلوا» معارضين، إنها وظيفة، بالضبط مثل «اللى بيشتغل مؤيد» وهم كثرة، وانتقل الاثنان من خانة أنه صاحب وجهة نظر تتفاعل مع الأحداث، إلى أسطوانة تردد ذات الكلام الدعائى فى كل المواقف. والصنفان مستفيدان، المؤيد طوال الوقت معروف كيف يستفيد، والمعارض طوال الوقت أيضا يستفيد، «شغلانة حلوة»، بطولة زائفة وفضائيات ودعم من هنا وفلوس من هناك. وبسبب الصنفين تحولت الساحة السياسية إلى حرب قبائل، بين قبيلة المؤيدين وقبيلة المعارضين، الحوار ليس مطلوبا، بل هو ضد مصالح الطرفين، «اللى بيشتغل مؤيد ومبسوط» وبين «اللى بيتشغل معارض ومبسوط»، المطلوب هو حرب إبادة، ليس فيها تفاوض، المنتصر يأخذ كل شىء، والمهزوم يخسر كل شىء، ليس صراعا سياسيا، ولكنه صراع حياة أو موت، لابد أن تباد القبيلة الأخرى، بوسائل كثيرة، الشتم والسب والاتهامات بالخيانة والعمالة وغيرها.. وغيرها. نعود للسؤال الذى طرحته فى البداية: هل يستحق المعارضون كل هذا الهجوم من قيادات الحزب الوطنى؟ الحقيقة أن بعضها صحيح، ولكنهم جميعا شركاء فى المأساة؛ المعارضة والحكومة معا.. وما نحتاجه هو نخبة جديدة تستند إلى آليات محترمة تنهض بهذا البلد العظيم. فصل صحفيين: ◄ د.نعمان جمعة أثناء توليه رئاسة حزب الوفد قام بفصل 12 صحفيا، ورفض تدخلات نقابة الصحفيين، مما اضطرها لعمل لفت نظر لرئيس التحرير وقتها عباس الطرابيلى. ◄ د.رفعت السعيد رئيس حزب التجمع ورئيس مجلس إدارة جريدة الأهالى فصل الزميل ◄ محمد منير وفشلت نقابة الصحفيين فى تحويله إلى لجنة تأديب رغم أنه عضو بها. ◄ ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل قام بفصل 46 صحفيا، ورفض عودتهم رغم ما فعلته النقابة، ورغم موافقة كثير منهم على العودة بعد إعادة إصدار الجريدة. وهناك حالات أخرى كثيرة. انشقاقات: ◄ د.أسامة الغزالى حرب أسس حزب الجبهة الديمقراطية بعد استقالته من الحزب الوطنى الديكتاتورى. ◄ جبهة محمود أباظة فصلت رئيس حزب الوفد نعمان جمعة، وبدلا من حل الخلافات فى الحزب وصل الأمر إلى البلطجة والمحاكم. ◄ حزب الغد كان انشقاقا من حزب الوفد بقيادة أيمن نور، فك الله سجنه، وتوالت فيه الاستقالات والانشقاقات. ◄ حزب الوسط انشقاق شهير من الإخوان الذين اتهموا قياداته لفترة طويلة أنهم عملاء للنظام. ◄ الحزب الناصرى فصل رئيسه ضياء الدين داود خمسا من قياداته، منهم حمدين صباحى الذى أسس حزب الكرامة. لمعلوماتك.. ◄ 24 عدد الأحزاب المصرية. ◄1977 تاريخ تأسيس ثلاثة أحزاب هى الوطنى والتجمع والأحرار.