أحدثت الثورة تغيرات جذرية فى المعادلة السياسية بمصر، ارتضت الثورة وبدون أى خيار آخر أن تسلم قيادة المرحلة الانتقالية للمجلس العسكرى فقبض عليها مستأثرا، رفض المجلس تشكيل أى مجلس استشارى مدنى وطبق سياسة العهد البائد متمثلة فى "قل ما تريد، وسنفعل ما نريد". لم يكن ثوريا أبدا ولم يذعن لإرادة التغيير إلا تحت الضغط الشعبى فى ميادين التحرير بمصر. لم تتسلم الثورة أى سلطة ولم يكن تيار التغيير فى موقع المسئولية على الإطلاق، وحتى الدكتور عصام شرف عضو لجنة جمال مبارك للسياسات بالحزب الوطنى لم نر منه ثورية ترفض الانصياع لاستئثار المجلس العسكرى وتنحاز لمطالب التغيير. إن السلطة جميعا رئاسية وتنفيذية وتشريعية هى فى القبضة العسكرية. الثورة كقطار ملأة الثوار ولكن تمت سرقته وأخرج عن قضبانه ففقد سرعته وفقد اتجاهه وأصبح الجميع يسأل "هى مصر رايحة على فين؟" لقد فقدت مصر فى ظل هذا الاستئثار والتخبط فرصها فى استغلال روح ثورية وتسامٍ وطنى كان الجميع مستعدا فى ظلهم للتجاوب والعطاء وقبول ثمن التغيير من أجل نهضة مصر، لقد فقدت مصر إحساس التوحد الوطنى فى يد واحدة بسبب تخبط وترهل إدارة المرحلة الانتقالية باستئثار من المجلس العسكرى، لقد فقدت مصر فرصة كان الجميع سيؤيد فيها المجلس العسكرى فى أى أساليب جذرية لإعادة الانضباط الشفاف والأمن الحازم العادل لكل ربوع مصر، لقد فقدت مصر بالتلكؤ الأمنى دخلا هائلا من سياحة عالمية كانت تتشوق للتدفق على مصر للاحتفاء بالثورة المصرية وأهل مصر. المسئولية كاملة هى على عاتقك أيها المجلس العسكرى أمام الشعب، الحوار معك لا يثمر أى تشارك، وهذا يحملك وحدك كل النتائج. اعلم أيها المجلس العسكرى أن الشعب أصبح مختلفا، ولم يعد يخاف ولن يتورع عن الحساب، انقل السلطة سريعا إلى رئيس وسلطة مدنية منتخبة، وأعلن جدولك الزمنى بالتزام واضح لا لبس فيه، اضمن الأمن وكفانا تلاعبا فى هذا الملف بعيدا عن الحسم، انضباط البيئة الانتخابية كلها مسئوليتك المباشرة وليس صندوق الانتخابات فقط وحذار من أى انفلات يؤدى إلى الطعن فى صحة البرلمان القادم، فستكون هذه هى المتاهة التى ستكون أنت أول التائهين فيها. أيها المجلس العسكرى ابعد عنك مستشارى العهد البائد الذين أغرقوه، ولا تعط آذانك لهم ولو كانوا من أحبائك. الوضع مرشح لورطة وسيؤسس لها منهج التذاكى والمراوغة والتباطؤ العمد ومشاورة كهنة العهد البائد، فصن نفسك سريعا، ناشطو هذا الشعب أعدادهم الآن بمئات الآلاف ولن يسكتوا أبدا عن سرقة ثورة شعبهم. أيها المجلس العسكرى أعلن جدولك وسلم سلطة الشعب فعلا وإجمالا، وافتح الطريق نحو التغيير لكى تتنفس مصر وتنهض النهضة لمصر.