وقوف المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى أمام القضاء يوم الأحد المقبل، للإدلاء بشهادته فى قضية قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير، المتهم فيها الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك ونجلاه وحبيب العادلى وكبار قيادات وزارة الداخلية، يوم آخر فاصل فى تاريخ هذا الوطن، ليس فقط لأن أقواله قد تكون حاسمة فى القضية وتعجل بانتهائها، ولكن أيضاً لأنها تؤكد أن مصر تثب بخطوات واسعة نحو ديمقراطية حقيقية، يتساوى فيها الجميع كأسنان المشط لا فرق فيها بين مشيرو خفير. طنطاوى الذى يجلس على قمة السلطة فى مصر الآن سيقف مثل أى شخص عادى أمام القاضى يؤدى اليمين ثم يدلى بأقواله، بالطبع هو موقف لم نعتد عليه فى مصر من قبل، وبصفة خاصة فى زمن الرئيس المخلوع، إذ كان يعتبر ذلك من المحرمات ولا يتفق مع أعراف وقوانين نظامه التى ظلت تحلل الحرام، وتحرم الحلال طوال فترة حكمه. الموقف رمزى ويحمل دلالات كثيرة تعكس حقيقة التغيير الذى وقع فى مصر وطبيعة المرحلة التى نمر بها، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المشير صادق منذ اليوم الأول، الذى أعلن فيه أنه ومجلسه العسكرى انحيازا إلى الشعب والثورة. صحيح أن هناك من يشعر بالغضب تجاه بعض قيادات المجلس العسكرى بسبب تصريحاتهم التى جانبها الصواب فى أكثر من موقف، حين ادعى أحدهم أن المصريين "محدثين ديمقراطية" ولا يزالون فى مرحلة "كى جى وان"، وأن العسكر سيتولون مسئولية تلقينهم قواعدها، وعندما أخذت جنرال آخر العزة بالإثم وراح يمن على المصريين بموقف المجلس العسكرى، الذى لم يواجه المتظاهرين بالرصاص، كما يفعل جنود بشار الأسد فى سوريا الآن، وأيضا معمر القذافى فى ليبيا، الذين يقتلون أبناء وطنهم من أجل بقاء حكامهم، لكن هذه التصريحات تعكس وجهة نظر أصحابها الشخصية فقط وليس المجلس، إذ أن مواقفه تعكس وطنيته وتؤكد حرص أعضائه على تحقيق مطالب الشعب المشروعة المتمثلة فى الحرية والديمقراطية والعيش فى حياة كريمة. سيذكر التاريخ أن المشير وقف أمام مبارك فى ساحة القضاء ليقول كلمته التى لا نعرفها حتى الآن، وإن كنت أنا شخصياً أتوقعها، فالرجل شريف ويخشى الله ولن يقول سوى كلمة الحق، وسينحنى له أبناؤنا وأحفادنا ذات يوم حين يعرفون مواقفه هو ومجلسه من الثورة، وتفاصيل أخرى كثيرة ربما نجهل غالبيتها.