قال الكاتب الليبى الدكتور فوزى الحداد أستاذ النقد والأدب الحديث بكلية التربية جامعة عمر المختار فى طبرق ورئيس قسم اللغة العربية، إن ليبيا لن تكون أفغانستان أو صومال جديدة على الإطلاق، وإن المجموعات الإسلامية المتشددة عدلت عن فكرها واندمجت فى الحياة العامة بعد العفو عنهم وخروجهم من السجون، وإنهم يقومون بدورهم فى هزيمة الطاغية وكتائبه بفضل مهاراتهم القتالية التى كان لها دور فى حسم الصراع، إلا أن هذا لا يلغى الشعور بالقلق مما ستفعله هذه الجماعات بعد انتهاء القتال. "اليوم السابع" حاورت أمين النشاط الثقافى برابطة الأدباء والكتاب الليبيين عبر الإنترنت، وفيما يلى نص الحوار: ما هو تقييمك للمشهد الثقافى الليبى؟ المشهد زاخر ومتنوع، ويمكنك لمس مدى التقدم الذى طرأ عليه فى العشر سنوات الأخيرة، فالإنترنت ساعد على ظهور العديد من الصحف والمجلات المعنية بالثقافة فى ليبيا وخارجها، وهذا أدى لتنشيط الحالة الراكدة التى كانت عليها، وأرى أن الإبداع الليبى قادم بقوة بعدما تكسرت الأغلال التى فرضها النظام المنهار، وأصبح من العسير التعبير صراحةً عن كل القضايا التى تشغل الكتاب، فالقذافى كان يخشى من الثقافة والمثقفين، ولذا شدد الرقابة وألغى وزارة الثقافة، ثم استبدلها بجسم هزيل ُسمى المؤسسة العامة للثقافة فقط لذر الرماد فى عيون المثقفين الذين كانوا يطالبون بجسم حقيقى يرعى الثقافة الليبية المضيعة والمهملة. وكيف تقيم دور رابطة الكتاب الليبيين؟ بعد الثورة يرى كثير من الأدباء ضرورة عودة اسم الاتحاد إلى ما كان عليه قبل عام 1976 وهو "اتحاد الأدباء والكتاب الليبيين"، أما الدور الذى لعبه فى خدمة الثقافة الليبية فلم يكن دورًا كبيرًا وملموساً برغم الجهود المبذولة من أعضائه، لأن النظام كان يحرم الاتحاد من أى ميزانية تسير أعماله ومشاريعه، ويفرض عليه هبات وعطايا تصل حينًا وتغيب أحيانًا، وهو ما عطل الاتحاد كثيرًا عن القيام بأدوار مهمة، جعلتنا كأعضاء نشعر بالغبن والانكسار، إلا أننا استطعنا تنظيم فعاليات مهمة على المستوى العربى شارك فيها عدد كبير من الأدباء والكتاب العرب والأفارقة، برغم ما كان يمارسه النظام من محاولات التعطيل والتسويف، وإننى لأطمح فى الفترة القادمة أن يلتفت الأدباء والكتاب لأهمية الاتحاد فيدعمون دوره وفعالياته بعد أن يشكل فى الفترة القادمة على أساس ديمقراطى وفى العاصمة طرابلس، كما يجب أن يستمر الدور الفاعل والتعاون الوثيق مع الاتحاد العام للأدباء العرب بالقاهرة. وما هى التحديات التى تواجهكم؟ باعتقادى إن أكبر تحدٍ يواجه الليبيين هو البناء السياسى، ومن بعده يأتى البناء الثقافى وقد يكون متزامنًا معه، فالليبيون على اختلافهم لم يمارسوا العمل السياسى بمعناه الحقيقى، فالبلاد خلت من الحياة الحزبية مثلاً منذ الاستقلال 1951 عهد المملكة الليبية وكذلك عهد انقلاب القذافى الذى بدأ 1969، فلم تسمح المملكة بممارسة هذا الحق واعتمدت فى البرلمان على ترشيحات القبائل، كما أن القذافى بأفكاره الهوجاء جعل الممارسة الحزبية خيانة للديمقراطية التى ينادى بها، والشعب الليبى لم يكن له أى دور فى ممارسة العمل السياسى منذ الاحتلال الإيطالى عام 1911 وحتى الآن 2011، أى أننا يمكن أن نقول إنه عاش مئة عام من العزلة السياسية، وما يجعل البناء السياسى تحديًا كبيرًا فى نظرى هو ما تعرض له العقل الليبى على مدار 42 عاماً من التشويه الممنهج لكل المفاهيم السياسية والديمقراطية التى مارسها نظام القذافى، فبسبب ظهور ما سمى بالكتاب الأخضر فسدت أذهان العامة من الناس من كثرة ما كان يردده النظام من مقولات وأفكار هذا الكتاب، فمَن تحزب خان، والتمثيل النيابى تدجيل، إلى غير ذلك مما هو معروف.. ولهذا فإن تصحيح المفاهيم يبقى أولوية ملحة فى الفترة القادمة من ليبيا، وهى تقدم على عهد جديد يأمل فيه الليبيون بناء دولة حديثة تقوم على أساس المواطنة والعدالة والمساواة والممارسة العادلة للحقوق كافة. وهل ترى أن الأمازيغ سيشكلون أزمة اندماج فى المجتمع الليبى؟ وما هى الطريقة المثلى لاحتوائهم؟ الحقيقة البارزة التى يجب أن تقال هنا إن الأمازيغ فى ليبيا لا يعانون من أزمة اندماج، أقول هذا بثقة كبيرة، والواقع يؤكد هذا، فهم مندمجون تمامًا فى المجتمع العربى الذى يحتويهم ولا يعانون أى أزمة فى هذا السياق، وعلى سبيل المثال كثير من الكتاب الأمازيغ يكتبون بالعربية ومعروفون بها مثل الروائى الليبى إبراهيم الكونى، ولعل مشكلتهم تكمن فى عدم اعتراف النظام الزائل بثقافتهم الخاصة التى تشمل عاداتهم ولغتهم وتراثهم، فهم يريدون فقط أن يمارسوا هذه الثقافات وهذا من حقهم، أما حضورهم فى المجتمع فى مختلف أطيافه فهذا أمر محسوم لصالح الليبيين جميعاً فهم يعيشون مع بعضهم وبينهم أواصر كثيرة لا تنقطع بسهولة، كما أن الدين الإسلامى هو دينهم ومذهبهم كذلك هو مذهب كل الليبيين. وما هو رأيك فى الحركات الإسلامية المسلحة، وما هو توقعك لسيناريو مستقبل هذه الجماعات فى مرحلة ما بعد القذافي؟ وهل من الممكن أن تكون ليبيا مثل أفغانستان؟ أؤكد لك أن ليبيا لن تكون أفغانستان أو صومالا جديدة على الإطلاق، لأنه ببساطة لا توجد جماعات إسلامية مسلحة فى ليبيا ليست على غرار تنظيم القاعدة أو فرعه فى شمال أفريقيا، والحقيقة ما يوجد ضمن جيش الثوار هم مجموعات متشددة كانوا ينتمون لتيارات إسلامية مختلفة، ثم عدلوا عنها واندمجوا فى الحياة العامة لليبيين بعد العفو عنهم، وخروجهم من السجون، وهم الآن يقومون بدورهم فى هزيمة الطاغية وكتائبه، وهم بفضل مهاراتهم القتالية كان لهم دور فعال فى حسم الصراع، ونحن قلقون بعض الشىء مما سيفعل هؤلاء بعد انتهاء القتال، أقول هذا بكل صراحة، ولكننا بوجود الشيخ الجليل مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالى نأمل خيراً، فكل الليبيين يثقون فى حكمته وحنكته للخروج بالبلاد من أية مزالق قد تقع فيها، وما يطمئن أيضاً تلك التأكيدات المستمرة من قادة هذه الجماعات - وهى قليلة جدًا فى الإجمال- أن المستقبل الأفضل والمستقر لليبيا هو ما يسعون إليه، وقد قدموا تعهدات بهذا للمجلس الوطنى ولعموم الليبيين. ولهذا فالمجتمع الليبى متماسك بطبعه، ولم يحدث فى أى مرحلة من مراحل التاريخ أن انقسم الليبيون شيعًا أو أحزاباً أو فئات متقاتلة، فالروابط الاجتماعية والقبائلية قوية بما يكفى لاحتواء أى خلل مفترض قد يحدث. ونحن فى ليبيا نتطلع لمساعدة أخوتنا العرب جميعا، خاصة دول الجوار مثل مصر وتونس والجزائر فى هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلدنا، فاستقرار ليبيا يعود بالنفع على جيرانها لاشك، وأؤكد أن المثقف الليبى يعى تمامًا تحديات المرحلة القادمة، وسيساهم فيها بكل قوة، وهو يعمل بجد مع بقية شرائح المجتمع لتنوير الناس والرقى بأفكارهم وقيادتهم نحو ليبيا الجديدة المرجوة من كل الليبيين.