فى إحدى محاضراته الثرية فى علم الاجتماع السياسى بدأها الأستاذ الدكتور عبد الرؤوف الضبع، أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادى آنذاك - متعة الله بالصحة والعافية - بسؤال عن أنواع السُلطات فى المجتمع، فتطوعت بالإجابة على تساؤل أستاذى مصنفا السُلطات إلى تنفيذية وقضائية وتشريعية، فتساءل مجددا عن مدى انفصالها ووضوحها فى المجتمع المصرى تحديدا، وقبل أن أجيب تكلم سيادته قائلا: أنواع السُلطات المصرية سَلطة خضرا وسَلطة بيضا وسَلطة سودا.. فى كناية منه على الخلط الشديد بين أنواع السُلطات فى مصر. وعرفنا من سيادته، بأن المجتمعات المتخلفة لا تعرف فصلا للسُلطات التى هى إحدى مبادئ الديمقراطية، ويقصد بها أن لكل سُلطة من سُلطات الدولة استقلالا متميزا، بحيث لا تتدخل سُلطة فى عمل السُلطات الأخرى . وهو مبدأ سياسى هام لضمان عدم اعتداء سُلطة على سُلطة وعدم طغيان إحداهما على الأخرى، وتحقيق الرقابة لكل سُلطة على الأخرى. فإذا نظرنا إلى السُلطات المصرية سنجد أن السُلطة التنفيذية المتمثلة فى الحكومة بوزاراتها وهيئاتها وأجهزتها تختلط بالسُلطة التشريعية الممثلة فى البرلمانات المصرية، عندما ينتخب الوزراء للمجالس التشريعية، فإذا كانت مهمة البرلمان الأساسية – بخلاف تشريع القوانين - مراقبة الأداء الحكومى ومحاسبة أعضائها فمن إذا سوف يراقب ويحاسب الحكومة إذا كان نصف وزرائها أعضاء فى البرلمان. وتتلاقى وتختلط السُلطة التنفيذية بالسُلطة القضائية عندما يكون أحد أركان السُلطة التنفيذية (وزارة العدل) رئيسا ومسئولا عن كل أعضاء السُلطة القضائية، ليس هذا فحسب لكن يضاف إلى ذلك التحاق بعض أعضاء السُلطة القضائية (المستشارون والقضاة) بالعمل كمستشارين لبعض الوزراء (أعضاء السلطة التنفيذية). وبرغم الزخم السياسى الذى تعيشه مصر هذا العام، إلا أن اللجنة المكلفة بصياغة قانون مباشرة وتنظيم الحقوق السياسية لم تضع فى اعتبارها هذا المبدأ الديمقراطى الهام، ولم يتطرق أحد إلى أهمية فصل السُلطات الثلاث، وكأنه من الكماليات والرفاهية التى ليس أوانها ولا مناسبتها الآن . لابد من الإسراع فى إصدار قانون يفصل وبشكل قاطع بين سلطات المجتمع، بإلغاء وزارة العدل ، وحظر عمل أعضاء الهيئات القضائية فى وظائف حكومية، ومنع ترشح أعضاء السلطة التنفيذية للبرلمان، ولتحقيق أول خطوات النظام المتطور للدولة، وكفانا سَلطة خضراء وسَوداء وكل عام ومصر بكل خير.