قبل ساعات من تعليق العمل بحظر التجول، اللين، كما وصفته وسائل إعلام عدة، رفض 80% من المصريين إلغاء حظر التجول، وفضلوا استمراره حتى استقرار الأوضاع الأمنية. وشارك نحو 50 ألف مواطن فى استطلاع على صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على "فيس بوك"، وطرح الاستطلاع 3 اقتراحات، أولها رفع حظر التجول اعتباراً من 15 يونيو، وثانيها رفع حظر التجول بعد استقرار الأوضاع الأمنية، وثالثها رفع حظر التجول عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية 2011. ووافق ما يقرب من 40 ألف مواطن على مدِّ حظر التجول لحين استقرار الأوضاع الأمنية، بينما وافق نحو 9.683 صوت على إنهائه يوم 15 يونيو، كما سبق وأعلن المجلس العسكري، بينما قال نحو 3 آلاف صوت إنهم مع مدِّ الحظر حتى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية فى ديسمبر المقبل. وبينما يفترض أن يصوت الشعب، أى شعب، فى أى مكان فى العالم، على إلغاء كافة الإجراءات الاستثنائية، بما فى ذلك حظر التجول، حتى ولو كان لدقيقة واحدة، وليس ثلاث ساعات، فإن المصريين اختاروا العكس تماماً، وهو اختيار ربما يثير دهشة الكثير من المراقبين داخل مصر وخارجها! لماذا رفض المصريون رفع حظر التجول؟.. سؤال فى غاية الأهمية، لا يقل أهمية عن الإجابة التى يحاول جميع الناشطين السياسيين البحث عنها، منذ ثلاثة أشهر، وهى: لماذا صوت المصريون بنسبة كبيرة جداً لصالح التعديلات الدستورية، التى رفضتها كل النخب السياسية، باستثناء القوى الدينية فى المجتمع؟ فى الحالتين وللإجابة عن السؤالين العسيرين، لا أجد سوى إجابة واحدة، أرجو أن ينتبه إليها عدة مئات من الأشخاص، يظهرون على شاشات الفضائيات كل يوم، ويثرثرون، ويتجادلون، ويتشاحنون، وهى أننا جميعاً، من نتبادل الرؤى والحجج فى القاهرة، على صفحات الصحف ووسائل الإعلام، لا نعرف مصر ولا المصريين.. وتلك كارثة! كنا نريد بناء دستور قبل بدء العملية السياسية، لكن الشعب قال فى الاستفتاء إن الاستقرار عنده مقدم على الجدل الدائر بين أيهما يسبق الآخر: الدستور.. أم الانتخابات؟. وكنا نتصور أن الشعب يريد إلغاء حظر التجول ليعود إلى حياته الطبيعية، وهو من اختار الاستقرار فى الاستفتاء.. فإذا بالشعب لا يريد رفع حالة الطوارئ، ويوصل لنا رسالة جديدة، وهى أن عودة الأمن مقدمة على عودة الحقوق الأساسية، والتخلص من كل ما هو استثنائى، بما فى ذلك حظر التجول. يبدو أننا نعيش هنا فى القاهرة الصاخبة فى حالة انفصال وانفصام عن المجتمع.. بينما الناس، بعيدا عن وسائل الإعلام، يعيشون حالة لا تعرفها نخبة القاهرة.. لذلك فإن انتخابات مجلس الشعب القادمة ومن بعدها الانتخابات الرئاسية وفى ضوء استفتاء تعديل الدستور، واستطلاع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ستسفر عن مفاجآت كثيرة.. لأن الشعب يصر على مفاجأتنا.. ونحن أكثر إصراراً على عدم فهم رسائله المتتالية!.