وجهت وسائل الإعلام الصينية انتقادات لاذعة إلى الولاياتالمتحدة بسبب الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها خلال الاحتكاكات التجارية، مؤكدة أن ما وصفته ب "تنمر" الولاياتالمتحدة لا يمكنه إيقاف الصين عن النهضة، وأن "نزوات التنمر" وصمة عار على مصداقية الولاياتالمتحدة التي تعتبر الصانع الرئيس "للعجز" العالمي. وذكرت شبكة تليفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن) - في تعليق اليوم، الاثنين، أن الولاياتالمتحدة لجأت مرة أخرى إلى التنمر في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الصين. ففي البداية، رفعت واشنطن الرسوم الجمركية على بضائع صينية بشكل متهور، وصعدت الاحتكاكات التجارية من جانب واحد، ثم منعت شركة هواوي التكنولوجية الصينية من القيام بأعمال في الولاياتالمتحدة.
وأضافت الشبكة أن خدعة الولاياتالمتحدة بممارسة ضغط شديد لعرقلة الصين لن تنجح، وأن هذه العوائق ستجعل الصين أقوى، ورحلتها نحو نهضة الأمة لن يتم إيقافها، حيث تأتي هذه الثقة من الأساس الاقتصادي القوي للبلاد وإمكانات التنمية الهائلة.
وتابعت الشبكة أنه خلال الأربعة عقود الماضية، حققت الصين نموا مستمرا لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والدولة التي كافحت لصناعة جرار واحد تحولت إلى دولة ذات ثقل في الصناعة في العالم، ليصبح "مصنع العالم" هو أيضا "سوق العالم"، حيث يبلغ عدد سكان الصين 4ر1 مليار شخص منهم 400 مليون أصحاب دخول متوسطة، فيما تمتلك الصين أكثر نظام صناعي شامل في العالم وقدرة قوية على الابتكار العلمي والتكنولوجي ورأس مال بشري غني وأراضي وموارد وفيرة.
وأشارت الشبكة التليفزيونية - في التعليق الذي نشرته شبكة الصين أيضا - إلى أن الصينيين يتمتعون بروح نضال عظيمة، وأن التاريخ أظهر أن الصعوبات تقوي إصرار الشعب الصيني على الحرب وتشحذ قدرتهم على الفوز.
وخلال العام الماضي، صمدت الصين أمام اختبار الاحتكاكات التجارية التي تثيرها الولاياتالمتحدة، ومازالت التجارة تنمو بفضل تحسن الهيكل التجاري.
وخلال الربع الأول من هذا العام، نما الاقتصاد بنسبة 4ر6%، وتعتبر الصين الاقتصاد الكبير الوحيد الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد نموا أعلى، في تقريره الأخير للتوقعات الاقتصادية العالمية، حيث يعد الاقتصاد الصيني - وفقا للشبكة التليفزيونية - مثل البحر وليس بحيرة صغيرة، وسيتم التغلب على تأثير إجراءات التنمر التجاري الأمريكي.
ولفتت "سي جي تي إن" إلى أنه في نفس الوقت، أصبح الجمهور الصيني أكثر نضجا، فعندما انتشرت الأخبار عن رفع واشنطن للرسوم الجمركية مرة أخرى، اتفق مستخدمو الإنترنت بالإجماع على نفس الموقف: "إذا كنت تريد الحديث، الباب مفتوح، إذا كنت تريد الحرب، فسوف نحارب حتى النهاية".
ونوهت الشبكة إلى أن الصين تلتزم بتعميق الإصلاح والانفتاح والسعي لتنمية اقتصادية عالية الجودة، والقضاء على المخاطر الكبيرة، وحماية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الشامل، وأنه رغم الحاجة لبذل جهود شاقة، إلا أنه ليس هناك قوى خارجية تستطيع إيقاف الصين من تحقيق حلمها في نهضة الأمة.
وتحت عنوان "نزوات التنمر وصمة عار على مصداقية الولاياتالمتحدة، ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن علاقات التجارة الدولية الحديثة ترتكز على المصداقية وروح التعاقد، بيد أنه خلال المفاوضات التجارية بين الصينوالولاياتالمتحدة التي استمرت لمدة عام، نكثت واشنطن عهودها مرارا، ولعبت خدع "تغيير الوجه" تاركة ندبات صارخة على جبين مصداقيتها.
وأوضحت الوكالة أن بكينوواشنطن اتفقتا خلال الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس الدولة الصيني (مجلس الوزراء) "ليو خه" إلى واشنطن الشهر الجاري على عدم الدخول في حرب تجارية، ولكن بعد أيام قليلة، قالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إنها سوف تفرض رسوما جمركية على واردات صينية بما في ذلك تكنولوجيا مهمة للصناعة.
وبعد الانتكاسات الأخيرة التي شهدتها المشاورات التجارية الصينية - الأمريكية، بدأت إدارة ترمب - بذريعة "الأمن القومي"- تنفيذ تدابير تستهدف شركات تكنولوجية صينية، وسوف يقضي الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض على العديد من عقود التجارة بين شركات صينية وأمريكية.
وأضافت الوكالة الإخبارية أنه من المحتمل أن تكون الولاياتالمتحدة نرجسية في "فن التعامل"، ولكن سجلاتها فيما يتعلق بالفشل في الوفاء بوعودها نبهت العالم. ففي الحقيقة، لم تكن الصين أول ضحية لأفعال الولاياتالمتحدة من الخداع والتنمر التجاري، حيث خلال أكثر من عام، استخدمت الولاياتالمتحدة "عصا غليظة" من الحمائية، وأكرهت العديد من شركائها في التجارة، من بينهم كوريا الجنوبية وكندا والمكسيك، على إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة القائمة منذ وقت طويل بينهم.
وتابعت الوكالة أن "سلوكيات التنمر هذه تبعث إشارة واضحة مفادها أن بإمكان المرء العبث بشكل تعسفي بعقود أصلية بغض النظر عن مصالح وشواغل شركاء التعاون، طالما أن لديه القدرة على فعل ذلك.. هذا هو "منطق العصابات" و"شريعة الغاب".
أسلوب التنمر هذا أثار معارضة عالمية، ومن بين المعارضين حلفاء واشنطن في أوروبا"، حيث حينما قررت واشنطن فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، زنددت المفوضية الأوروبية بالخطوة في تغريدة قائلة إن "الاتحاد الأوروبي يعتقد أن الرسوم الجمركية الأمريكية أحادية الجانب هذه غير مبررة وتتناقض مع لوائح منظمة التجارة العالمية. هذه حمائية، بشكل بحت وبسيط".
وأشارت (شينخوا) إلى أنه منذ وصول إدارة ترمب إلى السلطة، انسحبت واشنطن من سلسلة من الاتفاقيات الدولية الكبرى وكذلك كيانات متعددة الأطراف، بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ، ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتحاد البريد العالمي، وهذه "الخطوات الأنانية لطخت مصداقية واشنطن كدولة كبرى مسؤولة"، كما قوضت على نحو خطير أساس التعاون الدولي.
ولفتت الوكالة إلى أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ساعدت الولاياتالمتحدة في إقامة النظام المالي والتجاري العالمي القائم، ونتيجة لهذا، استفادت واشنطن على نحو هائل من هذا النظام الذي يقوم على سيادة الدولار الأمريكي، غير أنه لا مبرر بأي حال الأحوال لأن تسيء واشنطن استغلال وضعها كقوة عظمى. وعوضا عن هذا، تحتاج واشنطن إلى الوفاء بالتزاماتها كعضو متكافئ في المجتمع الدولي، إذ إن النظام العالمي الذي تقوده واشنطن قد ينهار بمجرد أن تعلن مصداقية واشنطن إفلاسها، وهذا أفق خطير ولا يصب في مصلحة أحد.
وفي تعليق بعنوان "الولاياتالمتحدة هي الصانع الرئيس للعجز العالمي"، ذكرت إذاعة الصين الدولية أن "التشويه" هو الحيلة الثابتة للولايات المتحدة لقمع المنافسين، وأنه في الآونة الأخيرة، تم استخدامه بطريقة أكثر جنونا.
وأوضحت الإذاعة أنه على سبيل المثال، قبل الجولة الحادية عشرة للمشاورات الاقتصادية والتجارية رفيعة المستوى بين الصينوالولاياتالمتحدة، أصدرت الولاياتالمتحدة فجأة شائعاتها، وشوهت صورة الصين بالحديث عما وصفته ب "تراجع الصين" في المفاوضات، واستخدمت ذلك كذريعة لرفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية بقيمة 200 مليار دولار من 10% إلى 25%.
وأضافت أن تفاوض الجانبين مرارا وتكرارا بشأن بعض القضايا هو أمر طبيعي وعادي، وطالما لم يتم التوصل إلى الاتفاق بعد، فمن أين يأتي اتهام الولاياتالمتحدة بتراجع الصين؟ في الوقت الحالي، من أجل كبح جماح تطور الصين والحفاظ على قوتها المهيمنة، لم يتوقف بعض السياسيين في الولاياتالمتحدة عند تشويه سمعة الصين، حيث اتهموا الصين "بالعدوان الاقتصادي" و"السرقة"، وطرحوا جميع أنواع المحادثات الغريبة لإنتاج جولة جديدة من "نظرية التهديد الصيني"، وكان السبب وراء ممارسة الولاياتالمتحدة هو محاولة إخفاء نفسها كصانع "العجز" العالمي.
وتابعت الإذاعة الصينية أن العالم يواجه اليوم تغييرا كبيرا لا مثيل له منذ مائة سنة، ويواجه المجتمع الدولي تحديات مشتركة متمثلة في "عجز الحكم، وعجز الثقة، وعجز السلام، وعجز التنمية"، وأن الولاياتالمتحدة لا تعمل على القضاء على هذا "العجز" بصفتها القوة العظمى الأولى في العالم، بل إنها تصبح المنتج الرئيس "للعجز".
وأشارت الإذاعة إلى أن الولاياتالمتحدة وضعت مصالحها الخاصة فوق الاتفاقيات الدولية، واتبعت سياسة"أمريكا أولا"، وانسحبت من المعاهدات كما تشاء ، ما أثر بشكل خطير على الأنظمة متعددة الأطراف والقواعد الدولية، وتفاقم "عجز الحكم" العالمي.
ففي عام 2017، أشار تقرير بشأن النزاع في منظمة التجارة العالمية إلى أن الولاياتالمتحدة هي أكبر "بلد" لا يلتزم بقواعد منظمة التجارة العالمية، وفي الوقت نفسه، كانت تعمل الولاياتالمتحدة على بناء الجدار على الحدود بينها وبين المكسيك، وأحدثت توترا في الشرق الأوسط، وتغيرت مواقفها دائما في القضايا الرئيسية في العالم، ما أدى بشكل خطير إلى تآكل حجر الزاوية في ثقة وتعاون المجتمع الدولي، ما تسبب في تصعيد الاحتكاك الاقتصادي العالمي وتشديد النزاعات الجغرافية السياسية.
ولفتت إذاعة الصين الدولية إلى أنه في أبريل من هذا العام، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2019 إلى 3ر3%، وحذر من أن النمو الاقتصادي قد يتباطأ أكثر بسبب عوامل مثل التوترات التجارية العالمية، لذلك يجب أن يكون العالم اليوم مجتمع مصير مشترك، ويجب أن تحكم الشؤون العالمية جميع البلدان، ويجب أن تكون القواعد الدولية مكتوبة من قبل جميع البلدان، ويجب أن تستفيد جميع البلدان من فوائد التنمية بصورة مشتركة وتسيطر على مصير العالم بصورة مشتركة، ولكن تصرفات الولاياتالمتحدة لا تنتهك فقط الاتجاه التاريخي والاتجاه العالمي وإرادة الجمهور، ولكنها أيضا تصبح أكثر العوامل غير المستقرة في تطور العالم اليوم.