لما كانت سنة 6 من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من الحديبية، بعث إلى الملوك فبعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس ملك مصر. ذكر أن المقوقس لما أتاه الكتاب ضمه إلى صدره وقال هذا زمان يخرج فيه النبى الذى نجد نعته فى كتاب الله وإنا نجد من نعمته أنه لا يجمع بين أختين وأنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وأن جلساءه المساكين، ثم دعا رجلاً عاقلاً فلم يجد بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها فبعث بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث بغلة شهباء وحماراً أشهب وثياباً وعسلاً من عسل بنها وبعث إليه بمال وصدقة. وبعث بذلك كله مع حاطب بن أبى بلتعة، فعرض حاطب بن أبى بلتعة على مارية الإسلام ورغبها فيه فأسلمت وأسلمت أختها سيرين، ولما وصل المدينة قدم الأختين والدابتين والعسل والثياب، وأعلمه أن ذلك كله هدية فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية، ولما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه وكره أن يجمع بينهما فوهب أختها سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان. وكانت مارية بيضاء جميلة فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العالية فى المكان الذى صار يقال له سرية أم إبراهيم، وكان يختلف إليها هناك، وكان يطؤها بملك اليمين وضرب عليها مع ذلك الحجاب فحملت منه ووضعت هناك فى ذى الحجة سنة ثمان. عن عائشة قالت ما عزت على امرأة إلا دون ما عزت على مارية، وذلك لأنها كانت جميلة جعدة فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أنزلها أول ما قدم بها فى بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا فكان عامة الليل والنهار عندها حتى فزعنا لها فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك فكان ذلك أشد علينا. أم إبراهيم فى السنة الثامنة من الهجرة فى شهر ذى الحجة ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، فاشتدت غيرة أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولداً ذكراً، وكانت قابلتها فيه سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبولادة إبراهيم أصبحت مارية حرة. عن ابن عبَّاس قال: لما ولدت مارية قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أعتقها ولدها" وعاش إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثانى، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة، وحزنت مارية حزناً شديداً على موت إبراهيم. وفاتها كان أبو بكر ينفق على مارية حتى مات ثم عمر حتى توفيت فى خلافته. ماتت فى المحرم سنة 16 من الهجرة، فكان عمر يحشر الناس لشهودها وصلى عليها بالبقيع، وقال بن منده ماتت مارية بعد النبى صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.