دمشق هى أقدم عاصمة فى العالم، ويقال إنها أقدم مدينة مأهولة أيضاً، ويعود إنشاؤها إلى تسعة آلاف عام قبل الميلاد أو أكثر، وتعددت الروايات التاريخية حول معانى اسمها، والأرجح أنها كلمة ذات أصول أشورية قديمة تعنى الأرض الزاهرة أو العامرة، كما أنها سميت الشام نسبة إلى سام بن نبى الله نوح عليه السلام. لعبت دمشق منذ الفتح الإسلامى لها ليلة 16 رجب عام 14 هجرياً الموافق يوم الخامس من سبتمبر عام 635 ميلادياً على يد الفاتح العظيم أبوعبيدة بن الجراح، دوراً قيادياً فى الإسلام وأصبحت منذ ذلك الحين من أهم المدن الإسلامية ومنارة للعلم والأدب وموطناً للقادة والعلماء والمفكرين. وبعد أن أسس معاوية بن أبى سفيان الدولة الأموية عام 661 ميلادياً، اتخذ معاوية من دمشق عاصمة لدولته، وبهذا تحولت دمشق منذ ذلك الحين من مجرد ولاية إلى عاصمة أكبر إمبراطورية إسلامية، وهى الدولة الأموية التى تمتد من حدود الصين شرقاً، إلى مياه المحيط الأطلسى والأندلس غرباً، وارتفعت قصور الخلفاء فيها، وشيدت المبانى العظيمة، واتسع العمران فى البلاد، وكان أهم مبانيها فى ذلك العهد هو المسجد الأموى الشهير، الذى بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك، والذى يعتبر واحداً من أجمل وأروع المبانى العربية والإسلامية فى العالم، والذى يتكون من قاعة كبيرة للصلاة، وصحن خارجى فسيح، وشيدت قاعة الصلاة على أعمدة أثرية من الرخام يعود تاريخها إلى قبل العصر الأموى، وله ثلاثة مآذن من عصور مختلفة منها مئذنة العروس التى تعتبر أقدم مئذنة فى تاريخ الإسلام. أصبحت دمشق فى عصر الدولة الأموية منارة العلم والعلماء والفقهاء، وأصبحت آية فى روعة العمران، واهتم الأمويون بتشييد العديد من المساجد بها، كما وصلت الدولة الإسلامية إلى أو ج اتساعها وازدهارها فى عهدهم، فوصلت الفتوحات الإسلامية إلى الصين والأندلس، وخصوصاً فى عهد الخليفتين عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك. وفى النصف الثانى من القرن الثامن الميلادى، قامت الدولة العباسية التى اتخذت من بغداد عاصمة لها، ودخل العباسيون بجيوشهم إلى دمشق للقضاء على الأمويين وبعد قيام الدولة العباسية، خضعت دمشق للدولة الطولونية، قبل أن تصبح ضمن الدولة الفاطمية، وفى ذلك الوقت من الزمن تعرضت دمشق لغزوات القرامطة الذين كانوا بدأت حركتهم وثوراتهم تنتشر فى شبه الجزيرة العربية، مما أحدث فى دمشق الكثير من الدمار والخراب. خضعت دمشق من بعد الفاطميين للسلاجقة، وحارب معين الدين أنر الصليبيين، وصد الحصار الذى فرضته قواتهم فى داريا بالقرب من دمشق وحافظ على استقلال المدينة، وجاء من بعده نور الدين محمود الذى اتخذ من دمشق عاصمة له، وأرسل أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبى لضم مصر وتوحيد العالم الإسلامى فى مواجهة الصليبيين ومن بعد موته وضم صلاح الدين مصر، أصبحت دمشق هى عاصمة الدولة الأيوبية، ومنطلقهم لتحرير جميع البلاد الإسلامية من الصليبيين وخاصة القدس، والتى تم تحريرها يوم 2 أكتوبر عام 1187 ميلادياً. وكانت ولاية دمشق من أهم ولايات دولة المماليك، وسميت آنذاك (نيابة الشام)، وشهدت المدينة حركة عمرانية كبيرة، فشيد العديد من المساجد والمدارس فيها، وخاصة فى عهد الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون. بهزيمة المماليك فى معركة مرج دابق عام 1516 ميلادياً، أصبحت دمشق جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وغدت من أكبر المدن فى الدولة العثمانية وأهمها من بعد إسطنبول، وأولى الحكام والولاة العثمانيين لها أهمية كبيرة وأسموها (شام شريف)، وحافظت المدينة على مركزها التجارى والصناعى والثقافى فى الشرق فى عهدهم، وشيدت فيها صروحاً جديدة أشهرها التكية والجامع اللذين يحملان اسم السلطان سليم الأول، وتكية السليمانية التى من تصميم المعمارى سنان الذى كان معروفاً بتشييده صروح إسطنبول الشهيرة، وبالتوازى مع ازدهار دمشق، تزدهر حلب التى أصبحت المدينة الثالثة بعد إسطنبولودمشق، واستقطبت العديد من السفراء الغربيين، وشهدت حركة البناء فى المدينتين فى القرن الثامن عشر آخر تجلياتها الشرقية فيما عرف بالبيوت الدمشقية المميزة، التى وصفها الغربيون بالقصور لروعتها وتميزها. كانت دمشق ولا تزال من أكبر عواصم وأهم مدن العالم الإسلامى، فعاصرت وأثرت فى أهم أحداثه، وعاش بها أهم المشاهير عبر تاريخه الطويل فى الأدب والشعر والفكر والثقافة والفلك، ورجال الدين والفقه والعلوم الدينية الإسلامية والمسيحية أيضاً، والطب والصيدلة وغيرها، إضافة إلى الملوك والقادة والأمراء والسلاطين، وقصدها كل باحث عن العلم والمعرفة فى مختلف العصور، وكانت منارة على عظمة التاريخ الإسلامى على مر عصوره.