إلى كل من يدّعى أن فى صدره قلبا رحيما. إلى كل من يحاول أن يثنى السواد الأعظم من المصريين عن استرداد حقوقهم وكرامتهم. إلى كل من ينتمى إلى القلة التى تسعى للحقائق، ومخاطبة قلوب الأغلبية لا عقولهم، وتطلب منهم الرحمة لمن سمّوه الرمز الثمانينى المريض. أقول.. "نقطنا بسكاتك".. ألا تعلم يا مدعى الرحمة، أن مبارك المخلوع عزل وعذّب وسجن وجوّع واعتقل وجلد وسلخ كل من طالب أو فكّر أن يطالب بأى حق من حقوقه مهما كان بسيطا أو طبيعيا، ألم تشاهد فيديوهات الإهانة التى ظهر فيها ضباط الشرطة فى العهد البائد وهم يلطمون المواطنين و"يخزْوِقونهم" بلا رحمة وبلا خوف من الله ولا من عباده، ألم تشاهد "خالد سعيد" قبل الموت؟ ثم بعده؟ ألم تشاهد مئات المصريين الذين ماتوا تحت أحجار الدويقة، وغيرهم ممن يموتون كل يوم فى العشوائيات اللامنتهية، ألم تسمع عن آلاف الغرقى من ضحايا السفينة المنكوبة (السلام 98) الذين تم تجاهل استغاثاتهم، فماتوا رغم أنه كان بالإمكان إنقاذهم جميعا لو تحركت الجهات المسؤولة فى الوقت المناسب. ألم تسمع عن قتل الناس فى "بنى مزار"، وبيع وتصدير أعضائهم للخارج، ألم تشاهد الآلاف بل الملايين الذين هاجروا وتركوا بلادهم المليئة بالخيرات والمنهوبة من قبل ثلة معربدة لا بارك الله لهم، وأجبروا شباب الوطن على مكابدة الغربة هنا وهناك للبحث عن لقمة العيش وسط أناس يحترمونهم حينا ويسيئون لهم أحيانا، ثم ألم تشاهد مئات الشهداء وآلاف المصابين خلال ثورة (25 يناير)، هذه الثورة البيضاء التى طهرت مصر من دنس الفساد والحثالات، وغيرها الكثير والكثير من عشرات ومئات الأحداث والحكايات التى يشيب لها الولدان، وإن لم تشاهد، ألم تسمع بكل تلك المهازل؟ ألم يتعرض أحد من أقاربك أو جيرانك أو معارفك للاضطهاد و"المرمطة" فى أقسام الشرطة فى عهد العادلى الفاسد لا أرجعه الله. أقول لكل من يتشدق بالعفو ويعتقد أن قلبه أكثر رحمة من قلوب المصريين، أو أنه أكثر احتراما للكبير، أو أنه أكثر رأفة بالمريض، أو أن إنسانيته أكثر إنسانية من المواطن المصرى، أقول له: لا.. وألف لا.. لا تزايد على أخلاقيات الشعب المصرى.. فالتاريخ خير شاهد على أن المصريين يمتلكون قلوبا امتلأت بالرحمة والحب والعفو حتى لمن يسىء إليهم، كما أنهم أكثر الناس تعاطفا مع مريضهم واحتراما لكبيرهم؛ولكن لنا فى القرآن الكريم العبرة، حين قال عز من قائل: "ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب". واعلم أيها السيد المتعاطف أن الحق أحق أن يتبع، واسأل نفسك: هل راعى الرئيس المخلوع وعصابته البائدة السن أو الحالة المرضية أو النفسية لأحد مرتكبى أى جرم حتى ولو كان صغيرا، هل نظر إليهم بنظرة عطف عندما اكتشف أن جرائمهم كانت لقلة ذات اليد، أو لحرمانهم وأولادهم من المسكن أو المأكل أو الملبس؟ هل راعى أمًّا مكلومة تعرض ولدها الوحيد للتعذيب والتنكيل والقتل والتمثيل على يد أحد أباطرة الشرطة؟ هل واسى أبا مفزوعا خطفوا أحد فلذات كبده دونما ذنب اقترفه، ثم راح ليسأل عنه، فلم يعرف له "طريق جرة"؟ للأسف لم يطرف للرئيس المخلوع جفن حزنا على أحد، كان مستعدا للإجهاز على نصف الشعب ليعيش هو وأسرته وزمرته فى ذلك النعيم المقيم، وعندما دارت عليه الدائرة أخذ يصيح: اسجنونى واتركوا أولادى، الآن يا سيادة الرئيس، الآن عرفت معنى الأبوة، الآن عرفت معنى أن تنام فى مكان وفلذة كبدك فى مكان آخر لا تعلم عنه شيئا، لقد أسقاك القدر وأفراد عائلتك ورجال حكومتك من نفس كأس المرارة التى شرب منها المصريون رغما عنهم سنين وسنين. أتمنى ألا تأخذكم بهم رحمة. فطوال (30 سنة) لم تعرف الرحمة طريقا إلى قلوب هؤلاء الأوغاد.