التجارب الحزبية فى مصر ليست مثار اهتمام الكثيرين من أبناء الشعب الذى تعود على التسامح والطاعة والاستكانة، خاصة فيما يتعلق بالحكم.. وهى طباع مصرية متأصلة فى أعماق كل المصريين، وهى أن يكتفى المصرى بالحد الأدنى للمعيشة.. ونجد هذا المعنى واضحا فى القصص وفى التراث الشعبى وفى الأغانى.. وفى السير الشعبية. فما الذى يعنى الفلاح المصرى.. وهو الفئة الغالبة من الشعب المصرى.. أن ينتمى لحزب معين.. يسارى أو يمينى أو وسط. والتجارب الحزبية المصرية لها ثلاث مراحل تاريخية فترة ما قبل عام 1952 (فترات الاحتلال الإنجليزى) وفترة ما بعد عام 52 حتى 1981 (فترات إقامة المنابر وكلمة منبر اسم مختلف عن مسمى الحزب اختاره الرئيس أنور السادات كمرحلة جديدة لإحياء الأحزاب بعد انقطاع دام عشرات السنين فى حكم الحزب الواحد. وكلمة حزب لها وقع غير مألوف لأجيال ولدت وشبت فى ظل حكم شمولى منفرد. وتربت على كره كلمة حزب! ثم الفترة الحالية والتى شهدت الكثير من الحراك السياسى.. المقيد. ولاشك أن التجارب السياسية دائما ما تواجه مشاكل فى بدايات التطبيق، ولعلى لا ألقى اللوم كثيرا على الأسلوب والطريقة التى تتبعها الحكومة فى بداية إنشاء الأحزاب... والتشكك فى كل من يقدم على ممارسة العمل السياسى من خلال حزب جديد حيث كانت نسبة الأمية فى المجتمع المصرى فى بداية الثمانينيات كبيرة تتعدى ال 40 % من تعداد الشعب... أما الآن فالأمر مختلف تماما. فقد انخفضت كثيرا تلك النسبة... وفى نفس الوقت اتسعت وتعددت وسائل الاتصال والانتقال والمعرفة.. وأصبح ما يحدث فى أقصى بقاع الأرض.. يصل إلينا فى لحظتها.. وبلا رقابة. ونحن نرى أكثر الدول تمارس السياسة من خلال أحزاب تم تأسيسها.. بمجرد الإخطار.. فقط الإخطار ، وليس كما يحدث عندنا من التقدم للجنة شؤون الأحزاب، بالحزب الوطنى الديمقراطي.. الذى يحكم منذ أمد بعيد وممتد... وقد ورث فكر الحزب الأوحد القديم..وأصبح هو نفسه الذى له حق منح ومنع قيام أى حزب جديد. إن كثيرا من الأحزاب تم تأسيسها بغرض استكمال الوجاهة الاجتماعية.. وهى أحد أهم أسباب إنشاء حزب.. فى الدول المتخلفة... والنامية.. ولدينا نماذج كثيرة. إن تجربتى الحزبية أكدت لى أن فشل الأحزاب فى مصر لايرجع فقط إلى القيود المفروضة عليها من قبل الحزب الحاكم والحكومة وأجهزتها السيادية ولكن الأحزاب من داخلها أيضا تعانى من الشللية والعائلية والشخصنة وضعف قدرتها على اتخاذ مواقف ضد النظام لصالح الشعب وقلة تواجدها وسط الشارع والجماهير للتعبير عن آرائهم على عكس ما نراه فى الحركات الشعبية السياسية والفئوية التى أثبتت وجودها بجدارة فى الشارع المصرى.. كما أن الأحزاب تعانى من ندرة وجود أحد من القيادات من ممارسى العمل الحزبى الذى لديه الاستعداد بالتضحية بمكاسبه ومصالحه من أجل الصالح العام. لو أطلقنا عنان الخيال والتصور والافتراض وحدث أنه قد تم تكليف أحد تلك الأحزاب بتشكيل حكومة....على سبيل الافتراض... فما هى النتيجة المتوقعة؟ أعتقد انه فشل كبير سوف يصيب هذا الحزب وسوف يخفق فى أولى خطواته..!! والأسباب معروفة!! ماذا لو أطلقنا حرية تأسيس وإقامة الأحزاب على مصراعيها... ويكون الفيصل الأخير والحكم هو مدى الاستجابة الجماهيرية للانضمام له... فإما أن يكون حزبا فعالا أو يختفى نهائيا... وبالطبع يعتمد هذا على برنامج الحزب وأهدافه.. وقدرته على البقاء والمنافسة وتحقيق رغبات المواطنين والشعب فى التنمية والرفاهية...أما أسلوب المنع والرفض، بسبب أو بدون سبب ، يجعلنا نصدق أن رخصة الأحزاب تمنح لشخصيات معينة ولأهداف خاصة... ولا تمنح لأهداف وطنية خالصة... والأمثلة كثيرة. أدعو كل الباحثين ورجال القضاء والمفكرين، وكل المهتمين بالشأن العام والشأن السياسى.. إلى المطالبة بإعادة صياغة وتكوين الجهة المانحة لرخصة إقامة الأحزاب.. وأن تراجع قوانينها.. أو العرف.. أو التقاليد التى تسير عليها... أو التبسيط بإلغائها تماما ، فحرية إقامة أحزاب تتيح مزيد من الحريات ومزيد من طرح الآراء والأفكار والتشاور كما تغنينا عن شبح مطالبة المجتمع الدولى بمحاكمة رؤسائنا فى المنطقة العربية دوليا... فهل من مجيب!!