مع كل إجراء إصلاحى واستبعاد جديد لرمز فساد.. ينادى طرف بالصبر والتفاؤل وإيقاف الاعتصامات.. يرفض ذلك طرف آخر بلهجة بدأ يشوبها ملامح التحزب وتسيطر عليها شعارات تقسم الآراء إلى قسمين: "حزب الكنبة" وهو تعبير انتشر على صفحات الجرائد وال Facebook... ويوصف أصحابه بأنهم الذين جلسوا فى بيوتهم- على الكنبة- ولم يتظاهروا فى الشوارع وتفسر دعوتهم للهدوء وإيقاف المظاهرات للحفاظ على نظام واقتصاد البلاد على أنها مضادة للثورة، وعداء لها وتخاذل محبط ومنبوذ. والحزب الآخر هو "حزب الثورة" وهم الذين اتسمت أفعالهم وردود أفعالهم بتأييد الثورة ورفض الثورة المضادة والاستمرار بنفس الحماس فى المظاهرات والدعوة إلى الاعتصام حتى تحقق كل المطالب خشية إجهاد أو إجهاض الثورة، والواقع أن الخلاف هنا بقدر ما يحمل من سخافة ولا معقولية، هو خلاف وهمى، فالرد على ذلك يتمحور حول مسارين واضحين يشهدان بغياب مرجعية تفكيرنا بامتياز. إذا وجهت إلى لوما بأننى ساذج وأننى أثق بالناس أكثر من اللازم أو أننى لست سديد الرأى... فما اللوم فى ذلك؟ إن نظرتى للغيب تحمل صورة للوطن أخاف عليه منها، وأخاف عليك وعلى منها... وإذا كانت نظرتك أكثر إشراقا ويدعمها الاستمرار، فربما كان هذا هو رأيك الذى كان صائبا، وفهمته أنت قبلى.. وهذا ربما يجعلك أنفذ بصيرة.. أو أكثر فهما منى.. ولكن ليس أكثر وطنية.. ثم إننا وقفنا بنفس الرأى والتصميم معا يوم جمعة التنحى... ولعلك تذكر ذلك كما أذكره، فلا عيب فى أن نخاف على وطننا.. كل بطريقتنا.. كل بأسلوبنا وكل برأيه. أخشى أن يتطور الأمر التحزبى... واسمحوا أن أضيف حزب شباب الميدان، وهم من؟ هم الذين نزلوا يوم 25 يناير فى القاهرة والسويس والإسكندرية والمحلة... هم الذين وضعوا جباههم فى مواجهة بنادق الأمن المركزى محذرين بعضهم فى أصوات متهدجة قائلين: "ماحدش يجرة... احنا على شهادة...!!"... هم من طاردهم الرصاص المطاطى فاستقر فى مقلاتهم... هم من فوجئوا بالجمال والخيول تهاجمهم وتدهسهم... وقنابل المولوتوف تنفجر فى أذرعتهم وعيونهم وأرجلهم... هم من رشهم الأمن بالمياه وهم يصلون لله... هم من حمى بعضهم البعض وهم يصلون فى الميدان... ومن دهستهم السيارات الدبلوماسية وسيارات الأمن المركزى والهجانة. هم من حموا بأجسامهم المتحف المصرى فى وسط كل هذه النيران والرصاص... ومازالوا حتى الآن ينظمون صفوفهم فى مخاطبة المجلس الأعلى والوزراء من أجل تفعيل مكاسب هذه الثورة... وهم أيضا من يجيبون عندما يسألهم الخبثاء: "هل تعتبرونها ثورة شباب؟" فيجيبون فى هدوء وحزم وتواضع.. قائلين: "إنها ثورة شباب مصر التى أصبحت ثورة شعب مصر".. وكان فى مقدور كل منهم أن يباهى بما صنع... أن ينظر فى عينيك... وعينى... ويسرد لك ما سردته بأعلى... أن ينسب لنفسه ما هو أهل له... أن يذكرنا أنا وأنت بأنه من كسر حاجز الصمت واحتمل الألم حتى سار الميدان محرما على العنف... ونزل إليه الجيش وطهر من البلطجية... فظهرنا أنا وأنت... وحولناها إلى ثورة الشعب... ومن الغريب يا أخى أنهم لا يقولون لنا ذلك. "ارحل"... "ارحل"... "ارحل". قلناها كلنا... صرخناها فى ألم... صرخناها ونحن نعلم أنه لا ينوى الرحيل ولا ينوى الإصلاح... لا يهتم لأمرنا ولا لأمر الوطن وأن صلفه قد توحد مع كرسيه وسلطته.. صرخناها والتنكيل مازال واردا...صرخناها وكلنا نحب مصر...! والآن من فضلك ابكى معى. ابكى على سنين صمتنا فيها معا... ابكى على حياة وطدناها على فرض خوف صورة لنا خيالنا أنه أمان... ابكى على أننا اخترنا... وكان واجبا أن نفرض اختيارنا فيتبعنا الناس... ابكى على خلافنا على اللا خلاف... ابكى على شهدائنا الذين كان ممكنا أن نجنب ذويهم ما حدث لهم... وأنا وأنت نعلم كيف كان يمكن ذلك. ابكى وجفف دمعك واغسل همك حتى يمكن أن ننظر سويا للأمام.. ونحارب سويا بهدوء تارة.. وبحماس وإصرار تارة.. حتى لا تسرق ثورتنا ونحن مشغولون بالخلاف. لقد احترمنا العالم كله لأننا توحدنا وساندنا بعضنا من أجل التغيير وبدأناه، ولم يكن مبعث احترامنا هو ترتيب مساندتنا للثورة، ولكننا لأننا كنا كلنا فى المشهد الأخير. هناك.. حيث كان يفترض فينا أن نكون.. فى استقبال عودة الوطن.