بعد انعقاده في 5 دول غربية.. الكنيسة المصرية تستعد لانعقاد مؤتمر مجلس الكنائس العالمي    بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب اليوم الخميس 5-6-2025 في مصر وعيار 21 الآن    وزير الخارجية الألماني: إيران يجب أن لا تمتلك أسلحة نووية    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف لكن طلبنا تعديلات    جيش الاحتلال الإسرائيلي: سنهاجم مواقع لتصنيع المسيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت    ملخص أهداف مباراة السعودية والبحرين في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم    الاتحاد يُنهي تحضيراته استعدادًا لأهلي طرابلس بنهائيات ال«BAL 5».. «القنوات الناقلة» (صور)    معاني أسماء الأماكن المقدسة في مكة المكرمة    نوال الزغبي تحيي حفلا في بيروت اغسطس المقبل    أشرف زكي وهنيدي وسهير المرشدي يشاركون في عزاء سميحة أيوب    في عيد الأضحى.. قصور الثقافة تقيم حفلات مجانية في الإسماعيلية والسويس وبورسعيد وسيناء    كيف تُصلي عيد الأضحى كما ورد في السُنة؟.. الإفتاء تجيب    الهلال يُغري نابولي بعرض خيالي لضم أوسيمين    زلزال ب جنوب إيطاليا يتسبب بانهيار جزئي ب موقع بومبي الأثري    مدحت بركات: زيارة الرئيس السيسي للإمارات تعكس التزام مصر بالتعاون العربي    أستاذ تمويل: المنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار مهمة لتعزيز بيئة الأعمال    بعد إطلاق ال5G.. مطالب برلمانية بإلزام شركات المحمول بعدم زيادة الأسعار    «كل إناء ينضح بما فيه».. تعليق ناري من زوجة الخطيب على «سب» هاني شكري جماهير الأهلي    غرفة ملابس الزمالك قبل مواجهة بيراميدز في نهائي كأس مصر (صور)    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    قرار هام بشأن أسئلة امتحانات الثانوية الأزهرية في مطروح (تفاصيل)    بروتوكول تعاون بين «التضامن» و«التعليم العالي» ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات    رئيس الوزراء يهنئ شعب مصر والأمتين العربية والإسلامية بعيد الأضحى    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    الناتو يعزز قدراته في تدريب الطيارين والتعاون عبر الحدود الجوية    أول زيارة للمستشار الألماني للولايات المتحدة    صلاة عيد الأضحى 2025.. موعدها وطريقة أدائها وفضلها العظيم    العيد بعد الطاعة.. «بهجة مشروعة»    نصائح لإعداد المعدة، كيف نستقبل أكلات العيد دون مشكلات صحية؟    استشاري تغذية يحذّر من الإفراط في تناول اللحمة خلال عيد الأضحى- فيديو    في العيد.. طريقة عمل لحمة الرأس بخطوات سهلة وطعم مميز    "التنظيم والإدارة" يتيح استعادة كود التقديم في مسابقاته عبر بوابة الوظائف الحكومية    مصطفى محمد يُساند الزمالك من مدرجات ستاد القاهرة أمام بيراميدز    إعلام إسرائيلى: مقتل جندى إسرائيلى متأثرا بجروح خطيرة أصيب بها فى غزة قبل 8 أشهر    مصلحة الشهر العقاري والتوثيق تعلن استمرار عمل السيارات المتنقلة خلال العيد    "لو لينا عمر" أغنية لآمال ماهر بتوقيع الملحن محمدي في أول عمل يجمعهما    المجمع المقدس يؤكد على الرعاية المتكاملة ويُطلق توصيات جديدة للرعاية والخدمة والأسرة    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    يوم الرحمة.. كيف تستغل يوم عرفة أفضل استغلال؟    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    تهنئة أول أيام عيد الأضحى برسائل دينية مؤثرة    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    احتفالا بالعيد.. عروض مجانية لقصور الثقافة بمتحف الحضارة ونادي 6 أكتوبر    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    أجمل صور يوم عرفة.. لحظات تتجاوز الزمان والمكان    كل ما تريد معرفته عن جبل عرفات ويوم عرفة    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    موقع الدوري الأمريكي يحذر إنتر ميامي من خماسي الأهلي قبل مونديال الأندية    «مسجد نمرة».. منبر عرفات الذي بني في مكان خطبة الوداع    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    أرخص 10 سيارات مستوردة إلى مصر بدون جمارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيروس السلطة!
نشر في اليوم السابع يوم 25 - 03 - 2011

(السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة).. هكذا قالت الحكمة الموروثة، وهكذا أكدت وقائع التاريخ وأحداث السياسة فى العالم.
فكيف تكون السلطة مفسدة أو مفسدة مطلقة؟، هل العيب فيها، أم فيمن يتولونها، أم فيمن يخضعون لها؟..
إن أطراف المعادلة يمكن اختصارها فى ثلاثة عناصر: الحاكم والمحكوم والقانون، أو السلطة والشعب والدستور، ولابد أن فيروس الفساد يكمن فى أحد هذه العناصر، أو فى بعضها، أو فيها كلها، وشأن كل فيروس لابد أن هناك إمكانية التطعيم الوقائى منه، وإمكانية علاج المرض الناتج عنه، شريطة عزل هذا الفيروس وتحديد المضاد الفعال له. أما الحاكم (السلطة) فهو نتاج أداة قانونية أو ينبغى أن يكون كذلك حتى فى حالة وصوله للحكم على ظهر دبابة، حيث إن الأداة القانونية فى الحالة الأخيرة هى ما يسمى (الشرعية الثورية) فالحاكم الذى يحكم بانقلاب عسكرى، يتقدم فى الغالب بمشروعه الانقلابى وبرنامج عمل إصلاحى لتعديل الوضع السابق على الانقلاب، ويكون هذا المشروع بمثابة العقد ما بينه وبين المحكومين، يماثل برنامج الحزب الذى يصل إلى الحكم عن طريق صندوق الانتخابات، مع فارق جوهرى هو أن الأول يعكس إرادة فردية، بينما الثانى يعكس إرادة جماعية أو الأغلبية على الأقل.
ولأغراض هذا المقال، سوف نستبعد الحاكم الانقلابى، لكون هذه الظاهرة استثنائية وفى طريقها للشحوب والزوال، ونركز على الحاكم (أو السلطة) التى تحكم عن طريق صندوق الانتخابات، فهذا الحاكم لا يملك سلطة مطلقة، بل هو مقيد بأحبال عديدة، أهمها البرلمان والقضاء، وكذلك وسائل الإعلام، وبرنامجه الانتخابى، فكيف يمكن لفيروس الفساد أن يتسلل الى حاكم مربوط بهذا الشكل؟!..
لقد وصل أدولف هتلر الى موقعه من خلال صندوق الانتخابات فى ألمانيا ببرنامج واضح لم يخفه، وتوجه صريح لم يحد عنه، أى أنه التزم ببرنامجه (ويكفى قراءة كتابه كفاحى للتأكيد على ذلك)، وكان هناك البرلمان (الرايشتساغ)، والقضاء، والصحافة.. أى كل الأحبال الشرعية المقيدة، ومع ذلك فقد انطبقت عليه وعلى سلطته صفة الفساد، فمن أين تسلل الفيروس فى هذه الحالة؟..
هناك نظريات كثيرة، أبرزها مقدرة هتلر الشخصية فى الخطابة واستثارة مشاعر الجماهير، واستخدامه الجيد لوسائل الاعلام المقروءة والمسموعة، ووجود جهاز قادر للدعاية، بشكل يسر له السيطرة على الوعى الجمعى للشعب الألمانى خلال تلك الحقبة، بحيث انساق وراءه دون إدراك لمدى تغلغل فيروس الفساد، إلا أن ما ينقض هذه النظرية هو أن ذلك الشعب لم يكن شعبا جاهلا متخلفا، بل كان على درجة كبيرة من الوعى والثقافة السياسية، ذا تجربة واسعة فى النظام الديمقراطى.
وتذهب نظرية أخرى الى أن أسلوب الحكم البوليسى المرعب هو الذى مكن لهتلر السيطرة، وحول الشعب الألمانى العظيم إلى قطيع خانع خاضع يساق الى حتفه دون ارادة أو مقدرة على التغيير، إلا أن ذلك لا يتفق بدوره مع نضج الشعب الألمانى خلال تلك الحقبة، وحقيقة أن السلطة مهما تسلحت بأساليب الترهيب والرعب، هى فى النهاية أقلية فى مواجهة جموع الشعب التى يمكنها إن شاءت أن تكتسح كل أدوات النظام البوليسية (وهو ما حدث مثلا لنظام الشاه فى ايران)، وبالتالى لا تصمد هذه النظرية، أو على الأقل لا تصمد وحدها كتفسير لتغلغل فيروس الفساد فى سلطة الرايخ الثالث.
وتجمع نظرية ثالثة بين النظريتين السابقتين وتضيف اليهما المهانة والاذلال اللذين كان يعانى منهما الشعب الألمانى بعد هزيمته فى الحرب العالمية الأولى، بحيث أصبح النموذج الهتلرى بمثابة استعادة الشموخ والكرامة الوطنية، بالشكل الذى يسر تضليل الجموع، وبرر الإجراءات البوليسية التى اتخذتها السلطة كوسيلة مقبولة للحفاظ على أمن النظام من أعداء يحدقون بالوطن من كل اتجاه.. وربما يكون ذلك مقبولا كتشخيص للحالة التاريخية التى عاشتها ألمانيا، ولكنه لا يزال من الصعب قبوله كتفسير وحيد وقاطع لتسرب الفساد الى سلطة الرايخ الثالث.
وهناك من يرى أن تلك السلطة لم تكن فاسدة، وإنما أفسدت، أو بمعنى آخر أنها لم تكن بطبيعتها فاسدة، ولكن طرأ عليها الفساد نتيجة لأسباب محلية ودولية، أما أسبابها المحلية فهى بعض ما سبق إيراده، بينما تتلخص الأسباب الدولية فى الغرور الاستعمارى الذى أدى بالمنتصرين فى الحرب العالمية الأولى الى الإمعان فى إذلال ألمانيا إلى درجة تطلع شعبها الى أى مخلص أو منقذ من هذا الهوان، حتى إذا كان الثمن قبول هوان محلي، ومن ناحية أخرى يرى هذا الرأى أن عدم انتباه المجتمع الدولى لخطورة النظام الحاكم فى ألمانيا، وغفلة هذا المجتمع التى أدت به الى مسايرة هذا النظام هى التى أضافت إلى استفحال المرض وانتشاره.
وهذا الرأى الأخير له وجاهته، إذ يجمع بين عناصر محلية ودولية، وينبه إلى وجود بعد دولى فى مسألة الفساد والإفساد، إلا أنه بنفيه وجود الفساد فى السلطة نفسها أى كجزء من طبيعتها يتناقض مع الافتراض الأساسى الذى يقول بأن (السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة)، لأن صفة الفساد هنا لصيقة بالسلطة ذاتها، أو ناتجة عنها.
إن قراءة تاريخ الحاكم نفسه (هتلر) وثقافته السياسية، أوضحت بشكل لا يقبل الشك أنه لم يمكن متوازنا، وذلك الجانب لم يتضح إلا بعد الأحداث الجسيمة التى عاشتها ألمانيا والعالم وإتاحة الفرصة لمئات الباحثين لقراءة وثائق تلك الفترة، فقبل هذه الأحداث لم يكن هتلر فى الظاهر سوى زعيم وطنى مفرط الوطنية، يدغدغ مشاعر مواطنيه بما يحبون أن يسمعوه الشىء الذى أكسبه شعبية جارفة، وذلك أمر لاغبار عليه، فكل سياسى يسعى إلى السلطة لا يفعل إلا ذلك على وجه اليقين، فليس مطلوبا من الجماهير أن يتحولوا الى أطباء نفسيين ومحللين سياسيين لقراءة أعماق وأفكار السياسيين.
وظنى أن بعض الخلل يكمن فى ذلك العنصر الهام، فالسلطة أية سلطة ليست أمرا مجردا، وإنما هى أداة متاحة لبشر، وأولئك عبارة عن نفوس مغلقة، ووعاء لمجموعة من المعلومات والثقافات، وتلك يختلف استقبال كل إنسان لها، كما يختلف وهو الأهم فى كيفية استخدامه لها، فضلا عن ذلك فإن هؤلاء البشر الذين يتقلدون السلطة هم أبناء ظروفهم الشخصية والبيئية والسياسية، وهذا التنوع الهائل يختفى فى أغلبه عن الجماهير، وقد لا يدركه الحاكم نفسه حيث يكمن فى لا وعيه ويؤثر على تصرفاته وقراراته، وكسياسى يكون بقدر براعته حريصا وربما بشكل غير واع مرة أخرى على إخفاء ما يشير الى جوانبه السلبية. ثم تلعب الامكانيات الواسعة التى تتيحها السلطة دورها فى الإفساد، فالحاكم بالشكل الذى أوضحناه يجد بين يديه مفاتيح قوة متعددة، ومن حوله مجموعة من المستشارين والأعوان تضخم فى هذه القوة، وتعزله تدريجيا عن الاتصال بالواقع، حتى يصبح هو والسلطة شيئا واحدا، وحين تدور رأسه تماما يكون من السهل أن تتسلل منها تلك العورات التى حرص على إخفائها، حيث لم تعد فى ظل ذات متضخمة عورات على الإطلاق، بل ربما زين له المحيطون أنها مميزات لا تتوفر لأحد سواه.
ولكن أين باقى أطراف المعادلة؟ أين الشعب، أين البرلمان؟ أين الدستور؟ أين الاعلام؟ كيف يسمحون للفيروس بالتمكن دون مقاومة أو اعتراض؟.. من الممكن أن يكون للحاكم أغلبية برلمانية معاضدة، مستفيدة، تبارك هذا الوضع وتشجع استمراره، بل ويمكنها تغيير مواد الدستور نفسه وسن ما تشاء من قوانين لترسيخ سيطرة الحاكم وفساد سلطته، وبالتالى يمكن وبشكل شرعى تماما حصار ومطاردة أى صوت معترض من الشعب أو الإعلام، ولاشك أن هذا الوضع هو أكثر الأوضاع مناسبة لسلطة مطلقة ومفسدة مطلقة.
من الممكن أيضا أن تكون ظروف المحكومين عاملا مساعدا، سواء لأوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية متخلفة، أو لتردى الوعى السياسى لديهم وفساد النخب المثقفة. كذلك يمكن أن تكون الاداة القانونية نفسها (الدستور) قاصرة، تضع فى يد الحاكم سلطات مطلقة أو شبه مطلقة، وهى لا تكون كذلك إلا نتيجة لظروف المحكومين أيضا ودرجة نضجهم السياسى، أى أنها تابعة للعامل السابق، وأخيرا قد يكون الاعلام كضابط مضبوطا أو مسيطرا عليه، سواء بملكية السلطة المباشرة لوسائل الاعلام أو بامتلاكها لأدوات قانونية وغير قانونية تجبر بها الاعلام على الخضوع، ومسايرة تيار السلطة أيا كان هذا التيار.
أظن أننا الآن على أهبة الامساك ببعض خصائص فيروس السلطة، فهو نتاج لبعض أو كل ما سبق الإشارة إليه، وأهم أمصاله الوقائية المضمونة هى (الوثيقة المنشئة) أو (الدستور) الذى يجب أن يحدد بدقة حدود سلطات الدولة المختلفة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، والأهم من ذلك أن يحقق مبدأ تداول السلطة من خلال قيود زمنية وأدوات قانونية واضحة، وبشكل يحول دون تتغول إحدى السلطات على السلطات الأخرى، فذلك يحقق قدرا معقولا وإن كان غير كافيا من الحماية لعدم الوقوع فريسة لنفسية مريضة أو نفسية سليمة تفسدها السلطة، إلا أن ذلك وحده لا يمثل كل جرعات المصل الوقائي، حيث أن جرعة أهم تتمثل فى حرية وسائل الإعلام وحرية التعبير وحرية انشاء الأحزاب السياسية، فهذه الجرعة تمثل كرات الدم الحمراء المتحفزة على الدوام لمواجهة الفيروس الفاتك، كما أنها بمثابة جامعة مفتوحة يتعلم فيها الشعب وينضج وعيه السياسى الذى يعتبر الدرع الواقى لصحة المجتمع وسلامة السلطة.
* عضو اتحاد الكتاب المصرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.