◄◄ المراقبون يؤكدون انتشار «أما نعيمة.. نعمين» فى أوساط الموافقين.. وظهور واضح ل«لا والنبى يا عبده» فى جبهة الرفض بجانب اللافتات والترهيبات والترغيبات والتخويفات والتراشقات والمناظرات والتطميعات والتحذيرات التى سادت الشارع المصرى قبل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، كانت هناك مباراة أخرى يتبارى فيها المتنافسون على تدعيم وجهة نظرهم بكل ما أوتو من أغان، وكعادة المصريين لم يخل يوم الاستفتاء الأول فى تاريخ مصر من بعض النكات والإفيهات والقفشات، واستكمالاً لما حدث فى التحرير من تيار فى إطلاق النكت والإفيهات، شهدت مصر لأول مرة فى تاريخها مباراة حقيقية بين ال«نعم» وال«لا» بدأت بالتنظيرات والشد والجذب، ثم انتهت بالإفيهات والمبارزات، والسمة الغالبة على هذا الصراع هو عدم التخوين، وبحق من الممكن أن نقول لأول مرة إن بين الفريقين اختلافات فى وجهات النظر، والكل يريد الصالح العام، عدا بعض الفئات والطوائف التى سيغنى لها الشعب المصرى قريباً أغنية محمد فؤاد الشهيرة «بودعك آخر وداع». أجواء ما قبل الاستفتاء كانت تشير إلى حالة كبيرة من الحيرة، عاشها المصريون، وكان من الطبيعى أن يسألك أحد المارة: نعم ولا لأ؟ فتجيب مثلاً: «لأ» فيقول لأ ليه؟ ولو أجبت نعم فسيقول لك: نعم ليه؟ وقبيل يوم الاستفتاء تم استبدال السؤال بدلاً من نعم ولا لأ إلى «عبدالحليم ولا صباح» فى إشارة إلى أغنيتيهما الشهيرتين «نعم يا حبيبى نعم» و«لأ.. لأ..» واعتمد مؤيدو نعم على شعبية عبدالحليم حافظ الواسعة وتمثيله لثورة 23 يوليو أصدق تمثيل، بينما رأى مؤيدو «لا» أن جمال صباح وغنجها وانسيابيتها كفيل بإقناع الحائرين، لكن الملفت فى هذا السجال أن الأغنيتين كانتا ضمن فيلم «شارع الحب» وكأن مصر كلها تحولت إلى شارع حب كبير يتبادل فيه الخصوم الأغانى بدلاً من القنابل والمولوتوف والرصاص الحى، وكأن عم جادليو نادى فى المستفتين قائلاً: أنت اللى هتغنى يا مصرى. محبو عبدالحليم حافظ من الرافضين للتعديلات الدستورية «صعب عليهم» أن يتنازلوا عن مطربهم المحبوب لأصحاب ال«نعم» فأكدوا أنه لو كان العندليب حيا لغنى قائلاً: «أى دمعة حزن لا لا لا لا للتعديلات» وبذلك تفوق رافضو التعديلات على مؤيديها بالضربة العندليبية، لكن التفوق فى الأغانى لم يكن مؤشراً على التفوق فى الصندوق، وبرغم كل شىء فإن الصورة كانت حلوة، وبرغم الاستفزازات التى وقعت والمشادات ورمى الطوب التى تبناها البعض، أتصور أن كل هذه المخالفات المقيتة لم تنل من جمال هذه الصورة، إذ لم يعد التحضر فى مصر مقتصراً على ميدان التحرير، وشمل كل الأنحاء والمحافظات، حتى أبناء المناطق الشعبية والأغلبية من الفقراء ومتوسطى الثقافة كان لهم نصيب كبير فى المس الحضارى الذى أصاب مصر، ووجد كل فريق من الأغانى الشعبية ما يدعم وجهة نظره، فالمؤيدون للتعديلات ترنموا بأغنية «أما نعيمة نعمين» فاستحضر الرافضون النكتة الشهيرة التى يشكر فيها الرئيس المخلوع كل الذين قالوا نعم وبشكل خاص يتوجه بالشكر للسيدة نعيمة التى قالت نعمين، وواجهوها بأغنية «لا والنبى يا عبده». حالة الفرح والحيرة والديمقراطية الوليدة انتابت الجميع وأدرك المصريون لأول مرة أن لهم قيمة فى وطنهم وأنهم يملكون الحاضر والمستقبل، وظهر مقابل فكرى كوميدى لكل طرف من الأطراف، فمن قال إنه سيقول نعم لأنه يقف للمرة الأولى أمام الصندوق ولا يريد أن «يكسفه» ويقول له لا «رد عليه آخر بأن علامة النصر تقول لا، ومن قال إنه سيقول نعم لكى لا يتم تغيير المادة الثانية من الدستور والتى تقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هى أصل التشريع رد عليه آخر قائلاً إنه سيقول لا لأنها أول كلمة فى جملة التوحيد الشهيرة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، واتفق معظم الناس على إن حالة الإيجابية فى الذهاب إلى صندوق الانتخابات أهم ما فى الأمر، كما اتفقوا على أن زمن «أما نعيمة نعمين» قد انتهى إلى الأبد، فالآن يا إما نعم يا إما لا، وفرح المصريون بأننا «أخيراً شوفنا التغيير «لايف» بعد ما كنا بنشوفه مادة أرشيفية» وتحققت نبوءة عم جادليو حينما قال: إنت اللى هتغنى يا مصرى.