تعقد مكتبة ديوان حفلا لتوقيع كتاب "مصر والمصريون فى عهد مبارك" للدكتور جلال أمين الصادر عن دار ميريت عام 2009 وذلك يوم الأحد القادم الساعة السابعة مساء بفرع المكتبة بالزمالك. الجدير بالذكر أن الكتاب يقع فى 260 صفحة من القطع المتوسط ويحتوى على 13 فصلا فى مقدمة الكتاب يرى المؤلف أن المصريين شهدوا فى علاقتهم بمبارك "شهر عسل" لم يدم طويلا، فقد حرص الرئيس مبارك فى بداية عهده على تهدئة الأوضاع السياسية فى البلاد مع مختلف طوائف المعارضة، فقد بدأ بعد أسابيع قليلة من مقتل سلفه السادات باتخاذ قرار بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الكبار، بل واستقبلهم فى قصره بالترحيب والإكرام. وكان ذلك مصحوبا بالامتناع التام عن الأعمال التى كانت تستفز المصريين، كالظهور المستمر لقرينة الرئيس، ونشر صورها باستمرار فى الصحف، حيث لقبت فى عهد السادات بسيدة مصر الأولى، كذلك امتنع الرئيس الجديد عما دأب عليه السادات من استخدام عبارات جارحة فى وصف معارضيه، أو تهديدهم بالسجن وأحيانا (بالفرم). وفى فبراير 1982 دعا الرئيس مبارك صفوة العقول الاقتصادية فى مصر، من مختلف الاتجاهات، إلى مؤتمر لمناقشة الوضع المتردى للاقتصاد المصرى، وهو حدث أشاع فى نفوس الاقتصاديين المصريين الأمل فى أن إصلاحا حقيقيا على وشك أن يتحقق، كما صحب كل ذلك عودة الصحف المعارضة إلى الظهور، بل وسمح للصحف الحكومية بمستوى من الحرية لم يعهد منذ قيام ثورة 1952، فشهد المصريون فترة ذهبية من حرية التعبير والنقد أشاعت تفاؤلا شديدا بما يمكن أن تصبح عليه الحياة السياسية فى مصر. لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلا، وبرأى المؤلف بدأت السماء تتلبد بالغيوم قبل انقضاء سنة واحدة على اعتلاء الرئيس مبارك كرسى الرئاسة، وبدأ اليأس يتسرب إلى النفوس شيئا فشيئا من أن يحدث أى إصلاح حقيقى فى السياسة أو الاقتصاد. فى الفصل الأول من الكتاب ينظر المؤلف إلى الأوضاع فى مصر من خلال نظرية عالم الاقتصاد السويدى الشهير "جنار ميردال" عن الدولة الرخوة، تلك الدولة التى يعدها ميردال سر البلاء الأعظم، وسببا رئيسيًا من أسباب استمرار الفقر والتخلف. فهى دولة تصدر القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنه لا يوجد فى الدولة الرخوة من يحترم القانون، الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشى لغض البصر عنه، وفى هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح، ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة. ويضيف المؤلف عندما قرأنا ما كتبه الأستاذ ميردال فى نهاية الستينيات عن الدولة الرخوة، لم يطرأ ببالنا قط أن كلامه يمكن أن ينطبق على مصر، فقد كانت مصر فى ذلك الوقت أبعد ما تكون عن وصف الدولة الرخوة، ثم جاء عهد الرئيس مبارك، وكان كل يوم يمر منه يأتينا بدليل جديد على رخاوة الدولة المصرية. ويسوق المؤلف حشدا من الأمثلة الدالة، فبعد عام واحد من حكم مبارك قامت إسرائيل باعتداءات صبرا وشاتيلا، فوقفت الدولة المصرية منها موقف المتفرج، ثم جاء حادث خطف الطائرة المصرية عام 1986 فلم يصدر من الدولة المصرية رد الفعل الملائم، ثم انهار مصرف النوبارية بزاوية عبد القادر ولم يعاقب الوزير المختص، ثم غرقت الباخرة سالم إكسبريس فأبدت الدولة تراخيا مدهشا فى إنقاذ الركاب من الغرق، ثم انتشرت فضائح مذهلة عن وزارة البترول، وانتهت بخروج الوزير دون أن يقدم للمحاكمة، ثم أثيرت فضائح شركات توظيف الأموال، فتمكن أغلبية المحتالين من مؤسسيها من الهرب خارج البلاد سالمين. ومن أهم الأمثلة التى يسوقها المؤلف تلك الحالة التى بدت عليها الدولة عندما تعرضت مصر لهزة أرضية عام 1992 لم تستمر أكثر من أربعين ثانية، فإذا بالدولة المصرية كلها -من فرط رخاوتها- تكاد تسقط متهالكة على الأرض. ففى لحظات معدودة انكشف للجميع نسبة الأبنية المخالفة للقانون ولم يعاقب عليها أحد، والأدوار المحكوم عليها بالإزالة ولم يزلها أحد، والآثار الواجبة الترميم ولم ترمم، والمدارس التى تجاوزت عمرها الافتراضى ومع ذلك سمح للتلاميذ بدخولها. وفيما يعد إشارة واضحة لسبب رئيسى من أسباب (موت السياسة) فى مصر يلحظ المؤلف فرقا هاما ونوعيا فى الرجال المحيطين بالرئيس مبارك عن أقرانهم ممن عمل مع الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، فيرى أن رجال الأخيرين تميزوا بأنهم كانوا دائما من السياسيين، وكانت السياسة تجرى فى عروقهم وتشغل تفكيرهم وتتحكم فى تصرفاتهم، وكان كثيرون ممن تولوا الوزارة فى كلا العهدين يشاركون الرئيس حماسه للمشروع الذى يقوم بتطبيقه، أو كان لهم على الأقل القدرة على تصور وظيفة الوزير على أنها وظيفة سياسية. ثم تغير هذا الأمر بالتدريج فى عهد مبارك حتى اعتدنا أن يأتى رئيس للوزراء لم تعرف عنه قط اهتمامات سياسية قبل اعتلاء منصبه، ومن ثم لم يكن هناك مجال للتنبؤ بما يمكن أن تكون عليه سياساتهم .