وتنحى سيادة الرئيس السابق، تنحى وقد أصبح أول رئيس جمهورية لمصر يترك الحكم وهو على قيد الحياة - بعد محمد نجيب- وهذا فى حد ذاته إنجاز كبير للمصريين، صباح اليوم هو أول صباح لمصر جديدة، مصر يعيش فيها حاكمها السابق بعد أن غيرته إرادة الشعب. وبنظرة سريعة للأحداث ترى الناس منقسمة - كعادتهم - لقسمين، ولأن الدنيا علمتنا أنه لا يوجد شىء مطلق، فكل صواب يحتمل نسبة من الخطأ وكل خطأ يحتمل نسبة من الصواب، دعونا نهدأ، و نفكر بشىء من التحليل للموقف فيما يحدث. لطالما كنت أتحمس كثيرًا فى حديثى معه، وكان يحتملنى بصبر ويستمع لى منصتا، منتظرًا حتى أنتهى من كل ما عندى وأفرغ ما فى جعبتى، ثم يقول لى رأيه فى أدب شديد، لطالما قال لى إن أسهل شىء فى الدنيا هو الهدم، و أصعب شىء فى الدنيا هو البناء.. الهدم حقا سهل. وأمس تذكرت هذه الكلمات، من حق المصريين أن يفرحوا بشدة لأن إرادة الشعب المصرى انتصرت، أيا كانت هذه الإرادة لطالما كانت إرادة الأغلبية، وبخاصة عندما تكون هذه الإرادة ضد الفساد والتمييز والقمع، وأنا واحد من هؤلاء السعداء بولادة مصر من جديد وبسقوط النظام الفاسد. ولكن كما قلنا من قبل، إن ظن المصريين أن أصعب شىء هو هدم أو إسقاط النظام فهم مخطئون، إن أسهل شىء هو إسقاط النظام والدليل أن نظام حكم لمدة 30 عاماً، سقط فى 18 يومًا، ننتقل الآن للجزء الصعب، بناء نظام جديد، والتحدى الأكبر للنظام الجديد أنه لابد وأن يحقق وينجح فى ما فشل فيه النظام القديم، وإلا أصبح ما حدث مضيعة للوقت. أمس تحدثت مع عدة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاما واكتشفت أن هناك من المصريين من لا يعرف قيمته، يبدو لى أن النظام السابق قد نجح فى أن يقنع هؤلاء أنه لا سبيل للإصلاح وأنه لا يوجد أفضل مما كنا فيه، لا يشعر هؤلاء أنهم ثروة حقيقية وبدونهم لن يتم الإصلاح، عندما تخبره أنه هو المسئول عن مصر الآن يسخر مقللا من شأنه، عندما تقول له إن مصر تحتاج إليك يتعجب، ويسألك السؤال المشهور، والإخوان؟ وإيران؟ وحماس؟ فتسأله بدورك.. وماذا عن صوتك الانتخابى؟ هذا أحد مهامك القادمة، أن تعبر عن رفضك لشخص وتأييدك لآخر من خلال الانتخابات، إنها الحقيقة، مصر تحتاج لكل أولادها الآن. لابد أن نبدأ كلنا بأنفسنا ومن داخل بيوتنا، علم أولادك الشرف والنظام وحب الوطن، علم أسرتك أن نظافة الشارع تبدأ من النظافة الشخصية، علم نفسك أن الطابور شىء مقدس لا يمكن إهانته أو التعدى عليه، علم جيرانك أن القمامة مكانها ليس بجوار أعمدة الإنارة أو أركان الشوارع، علم أولادك أنه لا بأس أن يطمحوا أن يكونوا علماء، أو وزراء، أو رؤساء جمهورية، لنعلم أنفسنا جميعا أن كل الأشياء تبدأ عندنا وتنتهى عندنا، لو بدأت صحيحة ستنتهى بنفس الشكل، والعكس صحيح. وبقى فقط الآن أن نتحدث عن الرئيس، والذى أصبح موضع خلاف المصريين، فالكل يتفق على التغيير ولكنهم يختلفون على الرئيس، وبداية لابد أن نفهم أن الاختلاف شىء صحى، فلولاه لما تقدم العالم، إذا أخذ كل الناس كل شىء كأنه واقع مسلم به لظللنا حتى الآن نشعل النار فى كومة من أوراق الشجر الجافة بتصادم حجرين ينتج عنهما شرارة نارية. ولكن القاعدة الأولى فى خلاف الرأى هى أنه لابد ألا يفسد من الود قضية، فنختلف- لأن الاختلاف واقع – ونظل أصدقاء، نتحاور - لأن الحوار شىء حضارى- ولا نتعارك، بل نكون على أتم استعداد لتبنى وجهة نظر الآخر والإقتناع بها بسلاسة دون خجل أن نقول.. لم نكن نرى الأمر بهذه الصورة. وفى رأيى، سيادة الرئيس السابق، كرئيس يختلف عن شخصه كرب أسرة وإنسان يعيش حياة عادية، فنحن نعرفه كرئيس، لا يهتم بشعبه، لا ينزل الشارع ليستمع إليهم، وكأن الضربة الجوية الأولى كانت هى نهاية المطاف بالنسبة إليه كبشرى، بعدها تحول إلى إله لا يخطئ، ولا يحق لنا أن نحاسبه عما فعل، نعم لقد منع الحروب الخارجية ولكنه سمح بحروب دينية داخلية أهلية، نعم لقد حافظ على صورته أمام العالم ولكنه أفسد صورة كل مصرى حتى أصبح المصريون يقولون "لو لم أكن مصريا، قشطة جدا" وده طبعا قبل الثورة، وعلى الجانب الآخر، لم يهتم بشىء آخر مما يريده المصريون الذين هم بالمناسبة، شعب سهل إرضاؤه جدًا خلال ثلاثين عاما، كم مرة اعتذر الرئيس؟ ألم يخطئ أبدا؟ لماذا لم يعتذر كل عام ويعزى الشعب المصرى فى ضحايا حوادث الطرق؟ وغرقى العبارات الذين سخر منهم عندما قال "عبارة من اللى بيغرقوا برده هع هع هع" والذين يموتون جوعا والذين يعيشون فى العراء ويعد بأنه سوف يحاول أن يصلح من الأمور؟!!! لماذا لا يعتذر الرئيس؟ ولماذا من الإهانة أن ندعو الرئيس لترك منصبه وفتح الباب لآخرين، رئيس الجمهورية هو موظف حكومى، تدفع أنت مرتبه من ضرائبك ومن حقك أن تحاسبه عن كل شىء، فأنت رئيسه فى العمل. أما ثقافة المصريين عن رئيس الجمهورية كرمز للبلاد كأيام الملوك، فهى تستحق إعادة التفكير فيها، نعم هو رئيس الدولة، ولكنه ليس ملك تقدم له فروض الولاء والطاعة فى كل الأحوال. وأما عن الرئيس الإنسان، فهو لم يسمح لنا أن نعرفه بشخصه، فهو دومًا محاطًا بأناس لا نعرفهم، ليس من السهل إرسال خطاب إليه، لا نعرف ما هى أحب أنواع الأجبان إلى قلبه، فيما يفكر وهو منتظر إشارة المرور، كم ملعقة من السكر يضع الرئيس فى كوب الشاى، هل يشاهد الأخبار مثلنا؟ يتألم لتألمنا ويفرح لفرحنا؟! لماذا ليس لديه فيس بوك وتويتر- مثل أوباما مثلا - يتحدث فيهم عن آرائه؟ الرئيس المصرى كان يعيش فى مكان آخر بعيد لا يراه أحد ولا يعرف عنه شيئاً أحد. لهذا فإن كنت ممن يتأسفون للرئيس كرئيس، قل لنا ماذا فعل لك لتأسف عليه؟ وماذا فعلت أنت له لتتأسف عليه؟ وإن كنت ترى فى خروج الرئيس إهانة، لشخصه كمصرى، قل لنا ماذا تعرف عنه ونحن لا نعرف؟ فربما نقتنع بكلامك، نتحاور ونختلف ونظل أصدقاء.