منذ عام 1835 وضعت مصر أول قانون لحماية آثارها وتعاقب صدور القوانين حتى عام 2010 أكثر من ستة تشريعات بخلاف عشرات اللوائح ومئات القرارات التى تنظم وتحمى وتصون الآثار المصرية وتنظر فى جميع شئونها على أنها مقتنيات ثقافية وهى نظرة ظلت قاصرة عن بلوغ حد الكفاية اللازم لفرض الحماية الشاملة لجميع المقتنيات الثقافية، رغم أهميتها القصوى وما بينها وبين الحضارة والآثار من تزاوج واضح، باعتبارها عنواناً لها يعكس مدى التقدم الفنى والوعى الثقافى على مر العصور. وإذا ما كانت القوانين الحالية تتعامل مع مصطلح المقتنيات الثقافية الوارد باتفاقية اليونسكو الموقعة فى باريس 1970 باعتبار أنها الآثار فقط للأسف الشديد كخطأ شائع دون وجود حماية قانونية تنظيمية وجنائية لجرائم البيئة الثقافية بعيداً عن قانون العقوبات رغم ما تشمله المقتنيات الثقافية من لوحات فنية وتماثيل وأوراق ومستندات ونياشين وأدوات إلى آخره، فإن تلك النظرة ستظل لا تعكس الحقيقة أبداً. إن التراث والحضارة ليس آثاراً أو مخطوطات قديمة فحسب، وإنما منظومة كاملة لا يصح إغفال أحد عناصرها على حساب عناصر أخرى فالميراث الثقافى لا ينبغى التعامل معه من منطلق الأهم فالمهم بل باعتباره وحدة واحدة فى غاية الأهمية، لأنه يعكس مدى رقى الأمة وثقافة مواطنيها ووعيهم بمشاركة الدولة فى الحفاظ عليه، ومن هنا تظهر أهمية توفير غطاء قانونى خاص لمقتنيات المتاحف الفنية والمتخصصة، سواء كانت لوحات أو تماثيل أو غيرها من أعمال فنية حتى لو كانت لدى الأفراد لا لتوقيع عقوبات عليهم أو فرض قيود على تصرفاتهم، بل لتشجيع هذا الاقتناء وتنظيم التداول وتنمية الوعى الفنى والثقافى لديهم. إن النظر من ثقب الباب يعطى دائماً مجالاً ضيقاً للرؤية، بل ومحدوداً للغاية ونحن فى حاجة لفتح هذا الباب على مصراعيه للحماية والتنظيم للمقتنيات الثقافية، بل وحرية التداول على غرار الدول المتقدمة شأنها فى ذلك شأن الآثار والتى حظت فى السنوات العشر الأخيرة برعاية غير مسبوقة. أعتقد أنه قد حان الوقت لوضع قانون موحد للتراث الحضارى لمواجهة جميع جرائم البيئة الثقافية والأثرية من ناحية وفى ذات الوقت فرض قواعد تنظيمية للحماية وتداول المقتنيات الثقافية بصورة تشجع على الارتقاء بالذوق الفنى والثقافى لمقتنياتنا العامة والخاصة حتى لا نكون من الذين يقتنون ولا يعتنون. وعندما يصدر هذا القانون سيكون أشبه بمن يصيب عدة أهداف بحجر واحد فتوحيد التشريعات الأثرية والثقافية والمرتبطة ببعضها البعض فى قانون واحد والقضاء على تداخل اختصاصات وزارات وهيئات أخرى مع وزارة الثقافة وتوفير غطاء قانونى لمقتنيات ثقافية وفنية ومتاحف متخصصة هو أمر لا يمكن البدء فى تحقيقه، إلا من خلال هذا القانون ثم تأتى مرحلة تفعيله من خلال تنمية الوعى الفنى والثقافى لدى جموع المواطنين، وهو ما نجحت فيه وزارة الثقافة إلى حد كبير على مدار عقدين الزمان من خلال المجلس الأعلى للثقافة ولجانه النوعية ومن خلال أيضاً القطاع الحيوى الأهم بالوزارة وهو قطاع الفنون التشكيلية صاحب الميراث الأعظم للفنون الفنية المختلفة، ولا تزال الوزارة قادرة على مواصلة هذا النجاح.