طيلة الأسبوع الماضى، لم تنقطع "سيمفونية" الهجوم فى حده المسموح، وغير المسموح أيضا.. رفضا لما طرحته من تساؤلات حول الشيخ يوسف القرضاوى.. حمل هاتفى المحمول عشرات المكالمات الهاتفية.. من أشخاص لا معرفة لى بهم.. كما حمل بريدى الإلكترونى عددا مماثلا من الرسائل المشابهة.. إضافة لتعليقات قراء "اليوم السابع".. تستنكر ما كتبت.. بعضها يستجيب لفكرة النقاش حول أمور كان الشيخ طرفا فيها، على الملأ.. وإن كان النقاش ينتهى غالبا بعبارة "لكنه رمز لا يجوز التطرق لسلوكه".. وكثير منها يرفض من حيث المبدأ النقاش حول الرجل بنفس الحجة.. أنه رمز.. وأن لحوم العلماء سامة محظور الاقتراب منها، كما قال لى أحدهم. لم أندهش لفكرة استخدام العقل الجمعى.. فهى نموذجية فى مجتمعاتنا الشرقية.. تستخدمها جيدا الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين.. التى انتمى إليها الشيخ فى إحدى فترات حياته.. وحتى أحزاب تدعى لنفسها الأغلبية.. عند الاقتراب – كتابة أو تحدثا – من أحد أعضائهم أو مؤيديهم.. تبدأ الموجة الأولى من الرد، بهجوم ساحق ماحق، كفوز الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بثا للإرهاب فى نفس من يكتب أو يتحدث.. مع حرص شديد على الابتعاد عن موضوع الكتابة أو الحديث.. الهجوم يباغتك دائما باتهامين لا ثالث لهما: فإما أنك من أنصار العلمانية.. بما يحمل المعنى من التباس عند العامة على أنها الإلحاد.. وقد يتجاوز الأمر لتكفيرك.. وإما أنك من أتباع الحزب الوطنى وحكومته الباحثين عن كسب أو موقع أو ما شابه.. وفى العقل الجمعى عند المصريين الآن.. الاتهامان من أسوأ ما قد يتعرض له مواطن مصرى.. وبالتالى من ينالهما جدير باعتباره عدوا يجب حربه بضراوة.. هاتفيا أو إلكترونيا عبر الشبكة العنكبوتية.. أو بأى طريقة متاحة!! هذه الموجة، لا سيما فى تعليقات قراء المواقع.. يخشى الكثيرين الدخول على خطها برأى معاكس.. تظل سارية المفعول، حتى يكسرها أحد المختلفين معها.. فتبدأ حدة الهجوم على الكاتب فى الهدوء قليلا.. لأن جزءا منه يذهب لصاحب الرأى المخالف هذا.. دونما اكتراث بالموضوع نفسه، فهو فى ذيل قائمة أولئك المهاجمين المنتمين لتلك الآلة الإعلامية الأصولية الرهيبة. مررت بتلك الموجة فى الأيام الماضية.. تلتها موجة أخرى باستدراجى للحديث فى علم الشيخ أو فتاواه.. وهو أمر له أهله، من علماء ودعاة، والمواقع المختلفة تحمل الكثير من تلك النقاشات والاختلافات على فكر الشيخ وفتاواة ومنهجه من علماء أجلاء.. وهى متاحة لكل من يرغب صوتا وصورة.. وبالمناسبة لم يرد الشيخ عليها أيضا، على اعتبار أن صمته ذهب!!.. مفضلا الحديث فى السياسة، موضوعه المحبب.. وحديثه فى السياسة.. يدفع الكثيرين– وأنا منهم– لطرح الكثير من التساؤلات حول ما يقول أو يصرح.. منتهجا المبدأ ذاته.. إعلاء القيمة الذهبية للصمت!! فعندما يقول فى أحد تصريحاته منذ عامين: "يمكن أن أنصح الرئيس، يقصد عموم المعنى، بالمباشرة.. أو من على المنبر يوم الجمعة.. أوفى وسائل الإعلام والفضائيات والصحف".. يجب أن يستدعى هذا سؤالا: هل يفعلها حقا؟.. وإن كان.. هل ينسحب هذا على كل الرؤساء؟!.. أم أنه يفعلها فى الاتجاه لمصر فقط؟!.. لأننى فى الحقيقة ما سمعت منه سوى تصريحات مادحة لكل الأمراء فى منطقة الخليج.. ولهم كل الاحترام.. أما حديث النصح والإرشاد وضرورة تقويم الحكام فلا يوجهه سوى لمصر. وعندما يقول فى العام نفسه: "لم نجد فى بلادنا رئيساً يكتفى بمدة ولا حتى اثنتين بل يريد أن يبقى أبد الدهر وإن تخلى عن المقعد يريد أن يورثه لأبنائه".. كلام عظيم.. وأتفق معه فيه.. فلست من أنصار التوريث.. ولكنه يستفزنى لطرح سؤال آخر: هل يتحدث الشيخ هنا عن الدول ذات النظام الجمهورى فقط؟!.. ومن ثم يكون حديثا غير مكتمل.. تم اجتزاؤه لأسباب يعلمها الله، والشيخ نفسه.. وإن كان يتحدث فى العموم.. فأدعوه لتصريح مشابه، يحدثنا فيه عن رؤيته للوضع فى دول الخليج؟! يبدو أن العام 2008 كان عاما حافلا بتصريحات الشيخ.. ليس فقط ما يصنف سياسيا، لكن عاطفيا أيضا.. وما ورد فى مذكراته عن قصة زواجه الثانى، وما صاحبه من أقاويل.. ليكلل تلك الأحاديث المثيرة للأسئلة، بتصريحاته الشهيرة عن خطورة الشيعة.. ومطالبته بمنعهم من دخول مصر.. وهى تصريحات تثير الكثير من علامات الاستفهام.. لأنها تأتى بعد 4 أعوام فقط من تأسيس "الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين" الذى شارك فى تأسيسه علماء ومفكرون مسلمون من مختلف المذاهب والبلدان الإسلامية.. ففى حفل الافتتاح الذى أقيم فى العاصمة الأيرلندية دبلن، اجتمع أكثر من مائتى عضو من: السنة والشيعة والصوفية والإباضية العمانيين واليمنيين الزيديين.. تم اختيار الشيخ يوسف عبد الله القرضاوى رئيسا للاتحاد.. والمفكر المصرى د.محمد سليم العوا أمينا عاما للإتحاد، ينوب عنه كل من وزير العدل الموريتانى السابق عبد الله بن بيه، والفقيه الشيعى آية الله التسخيرى والشيخ الإباضى أحمد الخليلى!!.. ألا يستدعى الأمر بعض التساؤل؟!.. لماذا انقلب الشيخ على الشيعة فجأة، رغم شراكتهم له– مع غيرهم– فى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين؟!.. أشم رائحة السياسة فى هذا الأمر.. ولا استبعد نظرية استدراج الإعلام.. وأرحب بأى أفكار أخرى إن وجد!! أما الاتحاد نفسه.. الذى أسس كهيئة غير حكومية دورها إرساء "مرجعية إسلامية عالمية".. فلم يتأسس فى دولة عربية أو إسلامية.. تأسس فى دولة غربية.. تنتمى لتلك التى يهاجمها الشيخ ليل نهار ويدعو لمقاطعتها.. والسؤال هنا للشيخ: لماذا لم يتم تأسيس الاتحاد فى قطر.. واحة الديمقراطية؟!.. لماذا لم يتأسس فى باكستان التى اتهمنا بعدم الرقى لما وصلت له ديمقراطيا؟!.. وعندما يذكر الشيخ فى البيان التأسيسى للاتحاد أن: "دعائم برنامج الاتحاد نقطتان أساسيتان: معارضة نظم الحكم غير الديمقراطية فى البلاد الإسلامية، وتطبيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل كما ورد فى سورة التوبة الآية 71".. فهذا يدعونى لسؤال آخر: كيف سيواجه الشيخ نظم الحكم غير الديمقراطية فى المنطقة؟.. وإذا كانت الديمقراطية من وجهة نظره، كما قال سابقا، هى حكم الشورى.. فليقل لنا جميعا كيف سيعارض أنظمة الحكم فى كل البلاد العربية، بلا استثناء؟!.. وهل هذا دور رجل الدين العالم المفكر.. أم أنه الناشط السياسى الكامن فى الأعماق؟! ملحوظة: لكل الراغبين فى الخروج عن الخط.. لن أتطرق لعلم الرجل وفتاواه!!