الإدارة الأمريكية تواجه فشلا ذريعا فى العراق.. وما الجديد؟ الجديد والمثير فى الوقت نفسه هو ما كشف عنه مسئول فى الجيش الأمريكى بالعراق عن تخصيص 4 مليارات دولار، لمواجهة ما أسماه بالعنف غير المباشر. وتتمثل سبل المواجهة فى تشجيع إقامة مشاريع حرفية بالقرب من القواعد المحتلة، وزيادة الاعتماد على القدرات والمنتجات المحلية فى تأمين احتياجات تلك القوات، لإنعاش الاقتصاد الوطنى، بالاتفاق مع حكومة المالكى. وجهة النظر الأمريكية هذه كشف عنها الضابط الأمريكى تيموثى ماكهيل، وهو أحد الضباط المشرفين على مشاريع عراقية أمريكية.. وأوضح ماكهيل فى تقرير له، إنه تم الاتفاق مع الحكومة العراقية على تنفيذ مشروعين كبيرين، خصص لهما الجيش الأمريكى أربعة مليارات دولار هما مشروعا "العراق أولا ومنطقة الصناعة العراقية" بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية، خاصة فى وسط وغرب العراق، مشيراً إلى أنهما يهدفان لمواجة ما يسمى بالإرهاب بصورة غير مباشرة، من خلال دعم الاقتصاد وامتصاص البطالة فى العراق. غير أن الدكتور محسن خليل سفير العراق السابق فى القاهرة والخبير الاقتصادى، قال لليوم السابع إن هناك مشكلة كبيرة تواجهها وزارة الدفاع الأمريكية بسبب فقدان 10 مليارات دولار، صرفها الجيش الأمريكى تحت بند مشاريع إعادة إعمار العراق، الأمر الذى دفع عددا من أعضاء الكونجرس إلى المطالبة بإجراء تحقيقات حول الموضوع، لكن نتائج تلك التحقيقات ظلت طى السرية التامة. وفى عودة للتقرير الأمريكى، يقول ماكهيل إن الجنرال ديفيد بترايوس "وجه القادة العسكريين الأمريكيين على العمل المشترك مع المواطنين العراقيين من أصحاب المهن، وشراء البضائع والمنتجات منهم، لاستخدامها من قبل القوات الأمريكية" منوها إلى أنه سيتم تنفيذ مشاريع عديدة قرب القواعد العسكرية الأمريكية، بعد تخصيص قطع أرض مناسبة قريبة منها لهذا الغرض. وأفاد ماكهيل بأن العمل فى المشروعين بدأ بالفعل، مشيرا إلى أن العديد من الحرفيين العراقيين، أنشأوا مشاريع صغيرة متمثلة بالنجارة والحدادة والسباكة والبناء والترميم والكهرباء، بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية ولم يذكر مواقع تلك المشاريع. وذكر ماكهيل أن القوات الأمريكية صرفت مبلغ 182 مليون دولار، لشراء البضائع العراقية ومنتجات المواد الإنشائية والمكتبية، لافتا إلى أنها أسهمت أيضا فى إعادة الحياة ل(200) من معامل البلاستك العراقية المتوقفة خلال الأشهر التسعة الماضية، من خلال شراء منتجاتها أو التعاقد معها. وأشار إلى أن العاملين العراقيين يشكلون ما نسبته 50% من حجم العمالة الكلى، فى المشاريع التى يدعمها الجيش الأمريكى، منوها إلى أن هناك توجها قويا لزيادة هذه النسبة والاعتماد بنحو أكبر على المنتجات العراقية فى تأمين مختلف احتياجات القوات الأمريكية فى أنحاء البلاد. من جهته، تساءل الدكتور محسن خليل، ردا على ما جاء فى التقرير: أين ما منح للعراق فى مؤتمرات الدول المانحة فى مؤتمر مدريد 2003؟ فقد منحت الدول المشاركة فى هذه المؤتمرات العراق 36 مليار دولار، ولا يوجد حتى الآن أى شارع تم رصفه ولم يتم الاهتمام بمشاريع الكهرباء، الأمر الذى أصبح توفير الكهرباء لساعتين فقط بمثابة حلم! فى الوقت الذى كان يمتلك فيه العراق فى أبريل 2003 –تاريخ احتلال العراق - 94 محطة كهرباء كانت تنتج 8500 ميجا واط، وهذه المحطات لم تتعرض لقصف أمريكى وحالات العطل فيها تحتاج إلى 3 أشهر عمل، وما بين مليار إلى نصف المليار لإعادة تشغيلها، فأين مشاريع الإعمار التى يتحدث عنها الأمريكيون وحكومة المالكى؟ وأضاف: إذا كان العراق ينتج نحو 2.5 مليون برميل نفط، فلماذا تعلن حكومة المالكى أنها تستورد مشتقات نفطية من إيران، فى وقت أعلنت فيه الحكومة الإيرانية أنها تستورد 40% من احتياجاتها، لسد النقص فى البنزين والسولار؟ وهو ما يعنى أن أمريكا تريد أن يكون المجتمع العراقى مجتمعا استهلاكيا. لكن ماكهيل كاتب التقرير، عزا سبب توجه الجيش الأمريكى لدعم المشاريع العراقية الاقتصادية إلى (قلق الإدارة الأمريكية من وضع الاقتصاد العراقى، فى ظل وفرة المواد الأولية وتنوعها من جهة والأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل من جهة أخرى).غير أن مراقبين مختصين عدوا خطوة الاحتلال هذه بأنها ترمى إلى إنشاء دروع بشرية عراقية قرب قواعد الاحتلال، كى لا تتعرض إلى ضربات المقاومة، وحذروا من خطورة الخطوة وطالبوا العراقيين إلى الانتباه من إساليب المحتل، وأن هذا العمل مشابه لبناء الجدران الكونكريتية، والتى حاصرت المدن العراقية ويحتمى بها الاحتلال فى أغلب الأوقات. وفى الوقت الذى شكك فيه عدد من المراقبين العسكريين فى نجاح الخطوة الأمريكية، بسبب أن أساسيات إنشاء القواعد العسكرية تعنى إبعاد تلك القواعد عن أنظار المدنيين أولا، وثانيا ربما يتم استغلال القوة البشرية العاملة بالقرب من تلك المواقع، لتكون عيونا للمقاومة العراقية مع تزايد حالة الاحتقان فى الشارع العراقى تجاه القوات الأمريكية (بحسب لواء أركان حرب سابق فى القوة الجوية العراقية رفض الكشف عن اسمه) والذى أكد لليوم السابع أن العراق أصلا يمتلك 15 قاعدة عسكرية تستخدمها القوات الأمريكية حاليا، وهذه القواعد بسبب طريقة بنائها لن تصلح لإقامة مشاريع حولها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أغلب هذه القواعد بعيدة نوعا ما عن الطرق الرئيسية وهو ما يعنى صعوبة انتقال أصحاب المشاريع المزمع إقامتها، وهذا ما حصل بالفعل عندما طلب الأمريكان من سكان قرية (كلى ماسى) على الحدود العراقية الإيرانية شمال العراق، المساهمة فى بناء قاعدة مع وعد ببناء منازل لهم، لم يتلقوا موافقة سكان القرية بالسكن قرب القاعدة لصعوبة الوصول إلى هناك وعن الأراضى التى سيتم تخصيصها للراغبين بتنفيذ المشاريع المزمع إقامتها. أوضح ماكهيل أنها لن تكون بصيغة التمليك، لكنها ستخصص لهم لتمكينهم من تنفيذ مشاريعهم لمدة معينة، على أن تعاد للحكومة العراقية فى المستقبل. ورغم محاولات أمريكا لإظهار نجاحات فى العراق، تبقى هناك حقيقة واحدة أن بلدا يعيش أبناؤه تحت خط الاحتلال، ولكن فوق خط الفهم، يعرف أنه لا مكان لمحتل على أرضهم، وإن طالت الأيام أم قصرت فالأيام دول كما قالت العرب.