نظم منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية مساء أمس ندوة بعنوان "الخيال فى الفيلم الوثائقى"، تحدث فيها كل من المخرج السينمائى هاشم النحاس، ومحمد سعيد محفوظ؛ المخرج والمذيع فى البى بى سى، وأدار الندوة الدكتورة شيماء الشريف؛ رئيس وحدة منتدى الحوار بالمكتبة. وفى كلمته، تحدث محمد سعيد محفوظ عن مشواره الإعلامى، حيث بدأ فى جريدة الأهرام، ثم انتقل إلى تليفزيون أبوظبى، فقدم برنامج بعنوان "مقص الرقيب" حول حقوق الإنسان، ثم سافر بعدها إلى بريطانيا ليحصل على درجة الماجستير فى الأفلام الوثائقية، وهو يعمل حاليًا فى البى بى سى، ونال جائزة مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية عن آخر أفلامه، "أى كلام". وأشار إلى أن نظره الجمهور للسينما الوثائقية ترتبط دائمًا بعالم الحيوان والفضاء والتكنولوجيا، موضحًا أن فيلمه "أى كلام" يعد طفرة جديدة وتيار معاكس لما يراه الكثيرون فى الأفلام الوثائقية، نظرًا لما يتخلل الفيلم من خيال وخدع بصرية كثيرة، وهو بذلك يمثل "اتجاه مرفوض" عند كثير من رواد هذا المجال، ولفت إلى أنه يصور الصحفيين، من خلال فيلمه، بقطع الشطرنج التى تحركها السلطة، وهو الأمر الذى لمسه خلال مشواره الإعلامى، بحيث يمكن أن يسيطر على الصحفى جو من الانغلاق نحو قالب فكرى محدد ينبغى نشره. وعن إمكانية مشاهدة الأفلام الوثائقية فى السينما المصرية، قال محفوظ إن ثقافة مشاهدة الأفلام الوثائقية غير موجودة بعالمنا العربى بعكس ما هو موجود بالغرب، حيث إن المشاهد الأمريكى على سبيل المثال يمكن أن يقوم بشراء تذكرة سينما لمشاهدة فيلم وثائقى، وهو ما لا يتصور وقوعه فى مصر، إلا إذا كان المشاهد مهتم بالقضية أو بمجال الفيلم. ومن جانبه، أكد هاشم النحاس أنه لا يتفق مع الرأى القائل بأن استخدام الخيال هو أمر مرفوض فى السينما التسجيلية، مبينًا أن الخيال فى السينما التسجيلية يختلف عن الخيال فى السينما الروائية، فالهدف الأساسى من الفيلم التسجيلى ليس التمثيل، بل تقديم دراما فكرية، فالفيلم التسجيلى هو فيلم يسجل الواقع المباشر بصورة سينمائية، وبذلك يمكن إدخال الخيال وتوظيفه كواقع يدور فى ذهن المتلقى. وخلال حديثه عن التطور التاريخى للسينما التسجيلية والوثائقية، قال إن استخدام الخيال والخدع البصرية موجود فى ذلك النوع من الأفلام منذ بدأ ظهورها، ويستطيع المخرج أن يستخدم الخدع البصرية، إلا أن المسألة تتوقف على كمية الخيال المستخدم. واستكمالا للمحة التاريخية، أشار إلى أن أول من استخدم مصطلح الفيلم الوثائقى هم الفرنسيون، حين أطلقوه على الأفلام السياحية، وأن بدايات السينما فى العالم كانت تسجيلية ووثائقية، حيث تنوعت الأفلام الوثائقية فى موضوعاتها وتوجهاتها، فعرضت أفلام تحليلية ذات أبعاد أنثربولوجية ونفسية، إضافة إلى أفلام عن التنمية، وأخرى فى النقد الاجتماعى، وغيرها مهتمة بتسجيل الدراما فى الحياة الواقعية. ويرى هاشم أن مراحل تطور الفيلم التسجيلى تنقسم إلى ثلاثة مراحل، أولها كان بعد فترة الحرب العالمية الأولى، وأشهر أفلام تلك الفترة هو فيلم "موانا"، وقام بإخراجه روبرت فلاهرتي، الذى حمل كاميراته لتصوير حياة الناس اليومية، فقدم دراسات كاملة بالكاميرا عن حياة الإسكيمو. وتبدأ الفترة الثانية خلال الحرب العالمية الثانية، ويعد الفيلم الألمانى الذى يُظهر هتلر داخل طائرة قادمة من خلال السحب، ليصوره على أنه أتى لشعبه فى صورة المخلص والمحرر، دليل على استخدام الخيال فى السينما الوثائقية. أما عن الفترة الثالثة لتطور الفيلم الوثائقي، فيرى النحاس أنها تبدأ فى فترة الستينيات على يد رواد السينما التسجيلية فى تلك الفترة، مثل الأمريكى ريتشارد ليكوك والفرنسى جان روش، واللذان قاما بنقل السينما التسجيلية لدور متعمق أكثر من مجرد دور توثيقى للإنجازات والأحداث والحياة اليومية. وخلال الندوة، تم عرض الفيلم الوثائقى "أى كلام"، للمخرج محمد سعيد محفوظ، ومدة عرضه 17 دقيقة. وتناول الفيلم شريحة الصحفيين التى تصطدم بالواقع يوميًا، وترى زاوية أخرى للمجتمع الذى تحلم به، وتطرح تساؤلا حول إمكانية الاستمرار فيما بدؤوا فيه من مشوار نحو كشف الحقيقة، بما تفرضه عليهم مهام وظيفتهم، أم أنهم سيستمرون كأداة تتلاعب بها السلطة كما تشاء.